قضايا ومناقشات ـ حمدي قنديل

قضايا ومناقشات
بقلم حمدي قنديل

في الوقت الذي يعلن فيه المجلس العسكري عن اعتبار 25 يناير عيداً قومياً، ويفصح عن برنامج مبهر للاحتفال بالعيد المقبل، وصل في دقة تفاصيله إلى حد أن أحد أعضاء المجلس كتب بنفسه الأغنية المقررة في الاحتفال، نجد المجلس وفياً لنهجه المألوف: تمجيد الثورة في العلن وطعنها وتشويه سمعتها في الخفاء..
إلا أنه يبدو أن المجلس قد زاد توتره مع اقتراب يوم 25 وتضاعفت خشيته من خطط الثوار المعاكسة، فقرر أن يقلع عن دسائسه الخفية ويخرج في هجوم مكشوف على رموز الثورة أنفسهم.
هذا الأسبوع استدعى إلى التحقيق أربعة من صناع الثورة، اثنين من الرموز هما الدكتور ممدوح حمزة والدكتور أيمن نور، واثنين من الشباب هما نوارة نجم وطارق الخولي، بالإضافة إلى خطيب الثورة الشيخ مظهر شاهين، بتهمة التحريض على أحداث مجلس الوزراء، أي على مهاجمة القوات المسلحة والشرطة والتعدي على الأملاك الحكومية والخاصة، بما فيها إحراق المجمع العلمي، وهي الأحداث التي راح ضحيتها 18 شهيداً ومئات الجرحى والمصابين، والتي يمكن أن تصل العقوبة فيها إلى الإعدام.
ممدوح حمزة، رئيس المجلس الوطني، مهندس استشاري عالمي صمم مكتبة الإسكندرية وحصل على جوائز في عدد من المشروعات الكبرى في أنحاء العالم المختلفة، وفي عهد مبارك قام بحملات ضد الفساد، خاصة في وزارة الإسكان، وهو صاحب مشروع بناء مساكن السيول في أسوان الذي فتح عليه أبواب جهنم لمجرد أنه بنى الوحدة السكنية ﺒ35 ألف جنيه، في حين أن المحافظة تبنيها ﺒ80 ألفاً، وكان ضحية مكيدة أخرى شهيرة في لندن قضى بسببها 45 شهراً في السجن هناك لاتهامه بمحاولة قتل 4 من كبار معاوني مبارك، توفي أحدهم فيما بعد في حين كان مصير الثلاثة الباقين سجن طرة. ممدوح حمزة، وليس «كنتاكي»، هو الذي زود ميدان التحرر بأكبر مدد أيام الثورة.. هو، وليس حكومة شرف، الذي نظم أول حملة تطوعية لعلاج ورعاية المصابين.. حماسه كشحنة ديناميت عبوتها زائدة عن الحاجة، عادة ما تنفجر في التوقيت الخطأ.
أيمن نور، محام ونائب سابق، وهو مؤسس حزب الغد ومرشح محتمل للرئاسة، وقد اعتقل عدة مرات في عهد الاستبداد والفساد، ونافس مبارك بشراسة في انتخابات الرئاسة في 2005، وحكم عليه بعدها بالسجن 5 سنوات في قضية تزوير ملفقة، وقبل الثورة بأسابيع أصبح واحداً من أعضاء «البرلمان الشعبي» الذي سخر منه مبارك بكلمته الشهيرة «خليهم يتسلوا».. زاملت نور في البرلمان، وعرفته قبل ذلك بسنوات، ورغم الانقسام الحاد حوله بين المريدين والمناهضين فدائماً ما كنت أعجب بحيويته ووقوفه إلى جانب شباب المعارضة في النيابات والمحاكم.. إذا قارنا مرشحي الرئاسة بمقدار الجهد الذي يبذلونه، فمن المؤكد أنه الأجدر بالمنصب، إلا أن المفارقة المدهشة هي أن يشعل الشباب فتيل الثورة ليتسلمها الشيوخ، ربما لأن ناس مصر المحافظين بطبيعتهم يثقون في الكبار، خاصة في أوقات الشدة.
نوارة نجم صحفية شابة، أطلقت في عام 2006 مدونة تطالب بالحرية بلغ عدد قرائها في اليوم الواحد قرابة 20 ألف شخص، واعتقلت في 1995 لمشاركتها في مظاهرة ضد دعوة إسرائيل إلى معرض صناعي في مصر، وهي ناشطة في حقوق الإنسان برزت في دفاعها المتواصل عن الأسرى المصريين في حرب 67، نوارة هي نوارة الميدان بحق، وهي ابنة اثنين من أبرز المبدعين، أحمد فؤاد نجم وصافيناز كاظم، والمؤكد أنها لم ترث منهما قدر ما ورثت من جينات التمرد.. عن بعد كنت أظن أن أقوى ملكاتها هو لسانها اللاذع، لكنني لما شاركت معها مؤخراً في اجتماع لقوى الثورة، بهرتني بذكاء حاد وتناقض متناغم في شخصيتها - بين الحدة والرقة.
طارق الخولي، محام وعضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة، وواحد من مؤسسي حركة 6 أبريل والمتحدث باسم جبهتها الديمقراطية، وكان قد اعتقل قبل الثورة بأيام لنشاطه المعادى للنظام في الشارع وفي الإنترنت ومشاركته في المسيرة التي طالبت بمحاسبة المسؤولين عن قتل سيد بلال الذي اتهم زوراً بتفجير كنيسة القديسين، ولما أفرج عن طارق وزملائه ألقى الأمن بهم في طريق القاهرة- الإسماعيلية الصحراوي.. طارق الخولي هو خولي الميدان وواحد من حراسه اليقظين.. رأيته في مناسبة أو اثنتين في إطار 6 إبريل الأم، آخرها كان في الذكرى الثالثة لقيام الحركة عندما بدأت بذور الخلاف المؤسفة داخلها بسبب اقتراح لدى البعض لتحويلها إلى جمعية، وكان الخولي المشاغب بطبعه واحداً من قيادات المنشقين.
أما المتهم الخامس في التحقيقات الجارية الآن فهو الشيخ مظهر شاهين فيكفيه أنه خطيب الثورة، الذي تناقلت وسائل الإعلام خطبه النارية في صلوات الجمعة بميدان التحرير منذ 25 يناير وحتى الآن. لم يكن كافياً على ما يبدو اتهام الشيخ بالتحريض، فعاقبه وزير الأوقاف على التهمة قبل أن تثبت ربما لأنها زادته شعبية وشهرة. وهي شعبية لا تقتصر على المسلمين وحدهم، ففي الاحتفال الأخير بأعياد الميلاد في الكنيسة الإنجيلية، كنيسة الثورة، في قصر الدوبارة كان لقاء المصلين به أكثر حرارة من لقاء المصلين في كاتدرائية الأرثوذكس بأقطاب تيار الإسلام السياسي.
هذا هو السجل الناصع للمتهمين الذين استدعاهم قضاة التحقيق بتهمة قيامهم بالتحريض على أحداث مجلس الوزراء، والذين لا يشك أحد في أنه تم تلفيق الاتهام لهم بسبب دورهم العنيد في الثورة، وانتقادهم الحاد لمسلك المجلس العسكري في إدارة البلاد.. ولا يستغرب هذا التلفيق، إذ يجيء في إطار أجواء معادية للثورة، تبدت مؤخراً في حملة التشويه الرسمية الواسعة التي ألصقت فيها التهم للثوار بالعمالة والتمويل من مصادر أجنبية والتحريض على العنف وإشاعة الفوضى وإيقاف عجلة الاقتصاد، وتنفيذ مخطط شيطاني لتحطيم بنيان الدولة في 25 يناير المقبل.
أمس الأحد مثلت نوارة وطارق وشاهين أمام قضاة التحقيق، أما أيمن نور فقد تم استجوابه الأسبوع الماضي، في حين أن موعد ممدوح حمزة قد تحدد الأربعاء المقبل.. يأتي هذا في الوقت الذي أخلت فيه محكمة السويس سبيل رجل الأعمال الملقب ﺒ«سفاح الثوار» ونجله ووضعا تحت التحفظ حتى لا يندلع غضب الجماهير في 25 يناير، وقبلها بأيام كانت محكمة السيدة زينب هي الأخرى قد أطلقت سراح المتهمين بقتل الشهداء.
كيف نصدق أن المجلس العسكري يرعى احتفالات الثورة في حين يقود الثوار إلى النيابات والمحاكم والسجون ويفرج عن قتلتهم، ومتى تكف السلطة يدها عن الثوار في النهاية؟!

المصدر : التجديد العربي
بتاريخ 17 يناير 2012