التواصل التربوي البيداغوجي
منقول للفائدة عن الموقع التربوي المغربي : دفاتر تربوية
إن العملية التعليمية عملية تواصلية في الأصل، و من ثمة فهي تخضع لمجموعة من المحددات التي تخضع لها
أية عملية تواصلية أخرى. لكن هذا لا يمنع من أن بعض مميزاتها تجعل من التواصل فيها ظاهرة تختلف
في بعض جوانبها عما يمكن ملاحظته في مجالات أخرى. فما طبيعة هذا التواصل الذي يصطلح عليه بالتواصل التربوي أو البداغوجي ؟
و
ما هي بعض أشكاله؟ و ما طبيعة صعوبات و معيقات التواصل التربوي الفعال؟ و
كيف تساهم مختلف مكونات العملية التعليمية الذاتية و الموضوعية في تحسين
المردودية؟
1) مفهوم التواصل التربوي و أشكاله:
إن التواصل البيداغوجي هو ذلك التواصل الذي تتم من خلاله العملية
التعليمية ـ التعلمية ، هذه العملية تتأسس في عمومها على ركائز أو مكونات
ضرورية تتجسد في المدرس و المتمدرس و المنهاج التعليمي، و بحكم أن عملية
التواصل عملية دينامية و جدلية، فإن المدرس و المتمدرس يتناوبان على لعب
دوري المرسل و المستقبل و ذلك بشكل تفاعلي، و يبقى المنهاج ذلك المكون الذي
يضم المضمون (الإرسالية) و القناة التي عبرها يتم تبادل الرسائل. و هكذا
يكون التواصل البيداغوجي بمثابة الميكانيزم الذي يتم عبره التفاعل بين
المدرس و المتمدرسين بغية الوصول إلى أهداف تتحدد قبلا. و يتضمن هذا
الميكانيزم حمولة معرفية يود أحد الطرفين المتواصلين إيصالها إلى الآخر،
كما يتضمن "وعاء" سيكولوجيا هو مجموع الشحنات الوجدانية و المواقف و
الاتجاهات و الإحساسات التي تصاحب إرسال الرسالة و استقبالها. و يتفاعل
هذان الوجهان و يؤثر بعضهما في بعض، فالخبرة التي يود المدرس نقلها إلى
التلاميذ قد يتأثر وصولها إليهم بحسب موقفهم منه، و اتجاهاتهم نحو العملية
التعليمية و ميولهم إلى المادة، و كذلك بتصوراتهم حول موقف المدرس منهم و
علاقته الوجدانية بهم و العكس صحيح.
و يمكن أن نميز بين ثلاثة أشكال من التواصل البيداغوجي ، هي :
أ ـ التواصل العمودي:
هو
قوام الطريقة التقليدية الإلقائية، حيث يكون المدرس في الغالب مرسلا و
التلميذ مستقبلا و العلاقة بينهما علاقة تراتبية عمودية تجسد التصورات التي
يحملها كل طرف عن الآخر و مواقفه منه و إدراكاته بموقع ذاته و موقع
الآخر.و هو نوع من التواصل لم يعد مستساغا في غير خطب الجمعة و نشرات
الأخبار، و لكنه مع ذلك لا يمكن الاستغناء عنه نهائيا في التربية الحديثة،
فهو مفتاح لابد منه للمرور إلى ما بعده،يحتاجه المدرسون لإعداد الوضعيات
التطبيقية و لتوفير منطلقات الدخول في الدرس....
ب ـ التواصل الأفقي: هو
قوام الطريقة الاستجوابية، و يتحقق بين المدرس من ناحية و بين أفراد
المتلقين من ناحية أخرى، بحيث يعمل الأستاذ على توزيع لحظات التواصل بينه و
بين أكبر عدد ممكن من تلاميذه، و لكنه يبقى دائما هو السائل ليظل التلميذ
في أغلب أطوار الحصة هو المجيب.
و رغم أن هذا النمط من التواصل فيه نوع
من إشراك المتعلم،فإنه قد يتحول إلى نوع من التواصل العمودي، و التلقين
المقنّع، و ذلك حين يكتفي المدرس لسؤاله بإجابة واحدة يتصرف فيها ليكتب على
السبورة عدة جمل أو عدة أسطر.
ج ـ التواصل المفتوح المتنوع
الاتجاهات:هو قوام الطرق النشيطة القائمة على الملاحظة الحية و التجربة
المباشرة و الممارسة الشخصية. و يكون فيها المدرس مجرد عنصر من عناصر
المجموعة يساعد و يوجه و لا يفرض شيئا من عنده، و لا يقدم حلولا جاهزة من
صنعه أو من صنع غيره.هذا النوع من التواصل المفتوح يتمتع بالأولوية المطلقة
في الدروس ذات الصبغة التجريبية و المرتبطة بملاحظة ظواهر واقعية ، لكنه
لا يمكن أن يتمتع بنفس الأولوية في الدروس ذات الصبغة النظرية التجريدية
أوالتعامل مع القيم و الأحكام غير المرئية...
و على العموم فإن التواصل
البيداغوجي الناجح هو الذي تتداخل فيه الأنواع الثلاثة بوعي و مهارة، فلا
سبيل إلى الدخول في تواصل أفقي سليم، و لا إلى الدخول في تواصل مفتوحمتنوع
الاتجاهات، دون المرور من مرحلة التواصل العمودي الذي لا يجوز أن يأخذ أكثر
من لحظات موزعة بإحكام على أجزاء الحصة و خطوات الدرس ،توجه مسار الدرس، و
لا تتحكم في
بناء مضامينه.2)
حدود و معيقات التواصل البيداغوجي:
إن
الطبيعة الدينامية لجماعة الفصل ، و كذلك السياق الذي تتم فيه عملية
التواصل التربوي، تفرز في كثير من الأحيان مجموعة من الصعوبات و العوائق
التي تجعل من هذه العملية عملية غير مريحة دائما، مما يخلق توترات تكبر
خطورتها أو تقل بحسب مدى وعي المدرس السيكوسيولوجي . و من ضمن هذه الصعوبات
التي تحد من إمكانية خلق تواصل تربوي فعال، يمكن أن نذكر ما يلي:
أ) المعيقات الفكرية:
و
تتعلق أساسا باللغة المستعملة في إيصال المعرفة المدرسية،هذه اللغة التي
يمكن لها أن تفوق مستوى المستقبل، حيث أن القاموس المرجعي لكل من
المدرس/المرسل و التلميذ/المستقبل لا يكونان في توافق تام.
إن
نوع التواصل السائد في مدارسنا هو من نوع التواصل غير المتكافئ. فالتلميذ
ليس ندّا للمدرس، و من ثم فشاطئاهما المرتبطان بالتواصل ليسا متطابقين. و
كلما ابتعد هذان الشاطئان عن بعضهما، كلما كانت الصعوبات أخطر و أكبر، و إذ
كان من المفروض على الطرفين أن يقلصا من تباعد شاطئيهما هروبا من السقوط
في حوار الصم. فإن المدرس بالأساس هو المطالب أكثر بالعمل على تحقيق ذلك.
و
هذا ليس من السهولة بمكان، بحكم أن المدرس يعيش مواطنتين، فهو ينتمي إلى
عالم الراشدين و محكوم عليه بالعيش مع عالم الأطفال، و هذه المفارقة تخلق
إشكالية وجودية بالنسبة إليه، فإن هو توحد بأطفاله، فقد ذاته كراشد و عجز
عن حمل متعلميه إلى المزيد من النضج، و إن هو توحد بعالم الراشدين فقد
أطفاله و لم يستطع التواصل معهم، لذا تطرح على عاتق المدرس مهام جسام و وعي
كبير.
ب) المعيقات السيكولوجية:
و
يشمل المستوى العلائقي و الانطباعات التي تتكون تجاه الآخر، كالفكرةالتي
يكونها التلميذ عن المدرس أو المدرس عن التلميذ, هذا الرأي القبلي يمكن أن
يكون سببا للتنافر أو للاستقبال السلبي، كما أن التمثلات التي تترسخ لدى
التلميذ حول