وائل جمال طاقم الاشراف
عدد المساهمات : 137 تاريخ التسجيل : 09/04/2013
| موضوع: إلى أي حد يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة في الفلسفة ؟ الثلاثاء 9 أبريل 2013 - 19:48 | |
| إلى أي حد يمكن اعتبار الحقيقة مطلقة في الفلسفة ؟ المقدمة (طرح الإشكالية) إن موضوع الحقيقة اتخذ وجهات نظر متعددة من طرف الفلاسفة ، والمفكرين ، والعلماء . فهنالك من يرى أن الحقيقة مفهوم مطلق ومتعال عن إدراك الإنسان لها ، وهنالك من يرى أن الحقيقة نسبية متغيرة حسب معرفة الذوات لها ، ومرتبطة بواقع الفرد ومتأثرة بأحكامه وقيمه وتصوراته ، ففي ظل هذا التعدد حول معنى الحقيقة فالسؤال المطروح هو : هل الحقيقة مفهوم مطلق أم نسبي ؟ محاولة حل الإشكالية 1- الأطروحة: يرى فلاسفة العصر الحديث أن الوضوح والبداهة والصدق واليقين هو أساس الحقيقة المطلقة للفلسفة ، ومن هؤلاء الفلاسفة والمفكرين نجد أمثال الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" وسبينوزا الحجج والبراهين : والدليل على مطلقية الحقيقة أن العقل يعتبر دوما القضية الواضحة حقيقية ، اما القضايا الملتبسة فهي لا ترادف مفهوم الحقيقة مثل القضايا التي تدرك بالحواس " وقد برر ديكارت مفهوم الحقيقة من خلال إثبات حقيقة وجوده بقوله : >> أنا أفكر إذن أنا موجود << هذا الكوجيتو الذي يحمل حقيقة مطلقة تم الوصول إليها عن طريق الشك باعتباره اسلوب في التفكير ، والوضوح يتجلى ايضا في البديهيات الرياضية التي تعتبر ضرورية وواضحة بذاتها كقولنا مثلا في البديهيات ، أن الواحد أكبر من الجزء أو أن اثنان ضعف الواحد وأن 1 1=2 ، وفكرة البداهة والوضوح لدى ديكارت لم تظهر لهذا الوجود إلا إذا تبين أن ذلك الشيء البديهي حق وعدم التقيد بالأفكار السابقة ، وفكرة الوضوح لن تتأتى إلا بالشك المنهجي المنظم الذي يحقق نتائج صحيحة وواضحة دون شك هدام بمعنى دون الشك من أجل الشك ، بل الشك الذي هو في حد ذاته تفكير ، وفي هذا المقام يتحصل ديكارت على الحقيقة المطلقة عن طريق ما يسمى البداهة والوضوح وذلك وفق وضوح التفكير ، وهنالك إلى جانب هذا الرأي وهو رأي الفيلسوف الهولندي: "باروخ إسبنوزا" الذي يرى بأنه ليس هناك معيار للحقيقة خارج عن الحقيقة ، بل مجمل الحقيقة كلها تتجلى في فكرة الصدق حيث أن النور يكشف عن نفسه وعن الجهل ، وكذا العدل يكشف عن نفسه ومعيار الكذب ، وكذا الخير يكشف عن نفسه وعن الشر ، هذا ما نفهمه من خلال الفيلسوف اليوناني سقراط حينما أراد تجسيد العدالة في المجتمع ، حينما حارب السفسطائيين في قضية مطلقة الأخلاق حيث اعتقدوا أنها ذاتية وخاصة ، وخاصة فكرة العدالة والتي من أجلها مات عن طريق الإعدام. في هذا المقام تكمن الحقيقة المطلقة دون منازع. النقد : لا يمكن ان يكون الوضوح معيارا للحقيقة ، لأن الناس يختلفون في أحكامهم العقلية اتجاه الموضوع الواحد . 2- نقيض الأطروحة: إن الحقيقة هي ذات طبيعة نسبية و تقاس بالمنفعة و يعتقد بها الموقف الفلاسفة البراغماتيون من امثال جون ديوي و وليام جيمس و بيرس الحجج والبراهين : يؤكد الفيلسوف "بيرس " أن الحقيقة نسبية وذلك من خلال فكرة النفع أي المصلحة من خلال أي فعل أو سلوك من أي إنسان وجب أن يترجمه العمل والتطبيق وفي هذا الصدد يقول "بيرس": "إن تصورنا لموضوع ما هو تصورنا لما قد ينتج من هذا الموضوع من آثار عملية لا أكثر" ، ومعنى هذا القول أن المعارف الصحيحة إنما تقاس بالنتائج التي تترتب على طبيعتها في الواقع وإن حققت لنا نتائج إيجابية ملموسة كانت صحيحة ، وإذا لم تحقق ذلك كانت خاطئة ، وهناك أيضا "وليام جيمس" الذي يقول: "إن كل ما يؤدي إلى النجاح فهو حقيقي" وأيضا يقول: 'الحق ليس التفكير الملائم لغاية" ، ومعنى هذا القول عند جيمس هو أن الحق عندما يكون حقا إلا إذا كانت مصلحة ما دون وجود غايات ، لأن لو كانت هناك غاية لأصبحت الحقيقة مطلقة ، وهذا غير موجود في البرغماتية ويضيف "جيمس" مبينا بأن العدد (27) بإمكان احتمال وجود هذا العدد بهذه الصورة باحتمالات عدة ، فبإمكان أن يكون مكعب العدد (3) ، أو حاصل ضرب (9×3) ، أو حاصل جمع (26 1) ، أو باقي طرح (73) من (100) أو بطرق لا نهاية لها ، وهذا بإمكاننا القول بأنها احتمالات صادقة وذلك حسب ما نضيفه نحن إلى العالم لأنه من صنعنا نحن ، أي من ذواتنا دون وجود حقيقة مطلقة ، بل هناك حقيقة نسبية وكما نجد "جون ديوي" الذي يرى أن التفكير يعتبر أداة أو وسيلة نلجأ إليها كلما صادفتنا مشكلة تعترض سبيلنا ، وذلك عن طريق حل هذه المشكلة عن طريق إبتكار الوسائل الضرورية وتجاوز المواقف المعقدة ، وهنا بالضبط الحقيقة النسبية ، لأنه لا تحصل دفعة واحدة ، بل تنمو وتتطور وتتراكم بالعمل والتجارب. النقد : لكن المنفعة بوصفها معيار واقعي يحاكي حياة الناس ومصالحهم المتصاربة ـ هي مقياس فاسد قد يستغل للضرر بمصالح اشخاص آخرين 3- التركيب: إن الحقيقة ليست واحدة بل هناك حقائق تتجلى في الحقيقة المطلقة حسب ما هي موجودة في فكرة الوضوح والبداهة عند العقلانيين ، والحقيقة النسبية التي تؤسسها المنفعة و المصلحة عند البرغماتيين ، ولكن كلا من الوضوح والنفع يحكمها معيار نسبي أي أنه متغير غير ثابت ، لأن معيار الحقيقة في منطق الوضوح والنفع كلاهما نسبي غير مطلق. الخاتمة ( حل المشكلة) إن معيار الحقيقة في الفلسفة من جهة الوضوح والنفع ليس بالإطلاق ، بل بنوع من النسبية والتغير ، لأن الحقيقة المطلقة تتواجد في الحقائق الرياضية والعلمية والفيزيائية نتيجة معيارها التجريبي ، غير شأن الحقيقة في الفلسفة.
| |
|