إن البحوث الأولية لعلم النفس التجريبي أبانت عن مدى التعارض القائم بين هذين النمطين من الطرائق التعليمية. هدفا وأسلوبا، فمن حيث الهدف تفترض الطرائق التلقينية ان العقل ينطوي على معارف قبلية كامنة فيه أصلا، فهي تثق في إمكانياته الفطرية لتكوين المعرفة، بيد أن الطرائق الحدسية الحسية تعتبر العقل (حجرة مظلمة) فالحدس الحسي يزوده بموضوعات المعرفة، ولولاه لبقي فارغ المحتوى، أما من حيث الأسلوب ، فيلاحظ أن التلقين يسوده الطا بع اللفظي ، فالمعلم يقوم فيه بدور الفاعل ، يستنتج ، يحلل ، يكشف في حين يحتفظ الطفل بدور المنفعل المتلقي.
أما عن الطرائق الحدسية ، فتنطلق من خبرات الطفل لتستعيض عن المعلم بحضور الأشياء ، وأثرها الذي تحدثه من خلال الانطباعات الحسية للطفل. هذا فضلا عن انها تستجيب للنمو النفسي، وخصا ئصه في كل مرحلة.
ولقد حاولت الطرائق الفاعلة نسج خيوط تركيبية بين العناصر الايجابية ، في كل من التلقين والحدس وتجاوز ماهو سلبي فيهما. فهي تثق في امكانات الطفل الذاتية، كما تستند إلى فاعليته ونشاطه.
أما الجديد في هذه الطرائق ، فهو ربط المواد الدراسية بالاهتمامات الذاتية للطفل، والعمل على إثارة فضوله المعرفي باستمرار.
نستخلص مما سبق أن الطرائق التلقينية ، اهتمت ببناء الكم المعرفي وشحذ الذاكرة في أسرع وقت ممكن ، وهي تسعى إلى تكوين أطفال منضبطين على قيم المجتمع الذي ينتمون إليه . وإذا كانت هذه الطرائق قد بالغت في التجريد واللفظية ، الشيء الذي جر عليها كثيرا من الاتهامات ، فإنها بالرغم من ذلك لاتخلو من أهمية:
- إنها تقدم معلومات ومعارف في وقت وجيز.
- تعتبر عملية سهلة خصوصا في الفصول المكتظة.
- إنها ضرورية في بعض المواد، خصوصا أثناء سرد قصة أو آية قرآنية أو حديث نبوي شريف.
- تصلح مع الأطفال الصغار الذين لم يتمكنوا من القراءة والكتابة والعد.
أما عن الطرائق الحديثة (الحدسية والفاعلة) التي تسعى إلى خلق الشخصية المبدعة، المتكاملة بالانطلاق من الاهتمامات والواقع الحسي فهي لا تخلو من بعض السلبيات.
- إنها تبالغ في الارتباط بالمحسوس حتى تكاد تفقد الطفل قوة التفكير التجريدي.
- تتطلب دائما وقتا أطول لأن انشطتها تسير ببطء.
- قد يشعر فيها بعض الأطفال بقلة سلطة المعلم ، فلايقومون بواجباتهم المدرسية ويتعثر تحصيلهم.
خاتمة:وأخيرا فإن ما يدعونا إلى الاهتمام بالطريقة يتركز في كيفية استغلال محتوى المادة بشكل يمكن التلاميذ من الوصول إلى الهدف الذي نرمي إليه في دراسة مادة من المواد. إن الطريقة لايمكن فصلها عن المادة. إنها تنظم العلاقات الثلاثية بين مكوِن ومكون ومعرفة في إطار معين ، فالطريقةالجيدة تربط العلاقات بين هذه العناصر الثلاثة أو كلها، فإن وقع خلل في التوازن بين هذه العناصر انعكس الخلل على الطريقة.
- إن استغراق المعلم في التلقين واحتكاره للعمل يؤدي إلى سلبية المتعلم وجموده.
- كما أن التركيز على المتعلم وحده يؤدي إلى شعوره بالملل والاخلال بالطريقة.
والواقع أن الطرائق التعليمية لايمكن العزل بينها نهائيا، فهي تتداخل فيما بينها ، إلا ان المعلم مطالب بمراعاة اهتمامات الطفل وإثارة حب الاطلاع عنده، وليس الهدف هو تكديس المعلومات في جميع المواد، ولكن ينبغي الوصول إلى دقة الملاحظة، وصحة التجارب، وتصحيح الاستنتاجات ، ولن يتم ذلك بالكلام الفصيح أو الاستظهار وحدها ، ولكن بالتجربة واستغلال الحواس.