إذا قمت بحركة لطيفة مضحكة أمام طفل صغير فإنه يضحك ملء فيه ، ويقفز ويطلب تكرارها ، ثم سرعان ما تجده قد مل وأدار وجهه تعبيرا عن الملل والسأم والشبع منها ، وينظر إليك طالبا (هات غيرها) إن الملل والسأم من التكرار نعمة وليس نقمة حيث يشجع الناس على التجديد والإبداع والتطور
إن الملل والزهد الذى نراه ونسمعه ، عند بعض أزواج وأولاد المصلحين والدعاة ، سببه التكرار المستمر لنفس الكلمات والألفاظ والمعانى التى تنساب إلى آذانهم بصورة تجعل تأثير تلك الكلمات يفقده بريقه ومقصوده ولهذا قيل ( زمار الحى لا يطرب ) ، فلا نتعجب إذا انصرف الناس بعيدا عن كلام الوعاظ والخطباء بحثا عن كلام جديد عند غيرهم ، مع أن كلامهم صحيح ويحتاجه الناس لكنها الطبيعة البشرية.
وفى هذا قال ابن مسعود رضي الله عنه ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا) . أي كان يتكلم معهم بشكل متقطع وغير مكرر لئلا يسأموا منه وهو سيد المتحدثين .
إن العزوف الذى نراه من العامة من كلام الوعاظ والدعاة إنما يرجع بسبب رئيسي للتكرار الذى يتعامل به أهل الوعظ فى كلامهم ، متناسين أن طبيعة البشر تميل إلى التجديد والتغيير وعلى المفكرين والدعاة والعلماء والمصلحين أن يتعاملوا مع الماضي وأساليبه على أنه مثل درجات السلم فنحن نرتقي ونصعد عليها نحو الأعلى ونستفيد منها كثيرا فى ذلك ولكن لا نحملها معنا على أكتافنا إلى السطح.
إن محاولة فرض النظم والأفكار والأساليب القديمة أو منحها نوعا من القداسة والرغبة فى تكرارها وتمجيد أصحابها، لن نحصل من ورائها إلا على الرفض والسآمة بل والجمود أيضا وعلى المفكرين والقادة والدعاة أن يبذلوا جهدا فى التعليم والبحث والإبداع والتطوير لئلا ينصرف عنهم الناس ويتطلعوا إلى ثقافات أخرى قد تأخذهم إلى حيث لا نريد .
**************************************************