بوشويحةب الإدارة
عدد المساهمات : 1722 تاريخ التسجيل : 08/10/2010 العمر : 46 الموقع : بشار
| موضوع: مسألة اليقين في الرياضيات والأصول التجريدية لمفاهيمها الثلاثاء 2 فبراير 2016 - 9:54 | |
| مسألة اليقين في الرياضيات والأصول التجريدية لمفاهيمها ــــــــــــــــــــــــــــــــ إن محاولة إلحاق المفاهيم الرياضية بأصول تجريبية بعيدا عن اجتهادات الفكر وافتراضاته لا يتناسب مع مواضفاتها ومنهجها ، فالعلوم النائشة قبل احتكاكها بالرياضيات لم تصل نتائجها إلى مستويات الدقة والضرورة والصدق إلا بعد استعانت بمفاهيمها المجردة ، فالواقع لا يحمل في طياته الأرقام والأشكال ، بل يحتوي على صور وقوالب مادية يمكن أن نكممها بعلاقات رياضية تجريدية ، فالواقع الذي نخضعه للعدّ والحساب ليس هو واقع رياضي ، بل هو واقع حسي تمّ تكميم ظواهره من أجل تنظيمها ، إن هذه العلاقة أدركها هنري برغسون عندما اعتبر العلم الحديث وليدا للرياضيات ، وأن أي علم ما كان لينشأ إلا يوم تمكن الجبر من اصطياد حقائق العلم و إيقاعها في شباكه . وحتى دافيد هيوم على الرغم من نزعته التجريبية فقد اعتبر الرياضيات علما قائما على العلاقات بين الأفكار وليس على الوقائع ، وأن العلاقات ضرورية لأنها تتوقف على الفكر ، وليس على الأشياء ، ومنه فعالِمُ الهندسة لا حاجة له إلى القول بوجود الأشكال الهندسية في الواقع ، إنه مثلا يعرف المثلث : بأنه سطح مستو يتألف من ثلاث زوايا مجموعها 180درجة ، ثم يستنبط من هذه الخاصية بقيّة خواص المثلث ، ومن أجل ذلك توصف العلوم الرياضية بأنها علوما عقلية خالصة ، قادرة على استيعاب أكثر من بناء هندسي : أشهرها هندسة إقليدس ، وهندسة لوباتشيفسكي ، وهندسة ريمان ، فإقليدس يفترض أن المكان مستو استواء أفقيا ، ولوباتشيفسكي يفترض أن المكان أسطواني الشكل ، أما ريمان فيفترض أن المكان كروي ، وبناء على هذه الفروض تختلف النظريات الهندسية ، فمجموع زوايا المثلث في هندسة لوباتشيفسكي أقل من قائمتين ، وأنه من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم أكثر من مستقيم واحد موازي له ، أما في هندسة ريمان فمجموع زوايا المثلث أكثر من قائمتين ، وأنه ليس في الإمكان رسم خطين متوازيين ، لأن المستقيمات ، بناء على مصادراته ، ستكون شبيهة بخطوط الطول تتلاقى ثم تتقاطع عند القطبين . وقد كان ريمان أول من أشار إلى أن الرياضيات لم تعدّ علما مطلقا يقينيا في كتابه " الفروض الأساسية لعلم الهندسة" والعنوان ذلته يوحي بانقلاب وثورة على الرياضيات الكلاسيكية ، فبدلا من البديهيات توضع الفروض ، وبدلا من الحقيقة المطلقة تكون هناك حقيقة مشروطة ، وكما يقول داربون : " إن العلوم الرياضية علوم اشتراطية تجري في تقدمها على الاستبناط وليس على اساس الإستقراء ، والعلم الاستنباطي يبدأ بالتعريفات ، والتعريفات اشتراطية بمعنى ان الرياضي له الحق في ان يعرف المفهوم الرياضي بما يشاء بشرط أن يلتزم في تعريفه بمقدماته الافتراضية ، ومن هنا تنشأ فكرة النسق الرياضي ، أي كل جزء من أجزاء البناء الرياضي يجب أن يكون متسقا مع الاجزاء الأخرى ، بحيث لا يكون ثمة تناقض . وهذا يقوض الإعتقاد الديكارتي الذي ظل يربط مفهوم الحقيقة الرياضية بالوضوح والبداهة والثبات ، ومنه فاليقين الرياضي لم يتزعزع إلا مع ظهور الهندسات اللاإقليدية . وكل هندسة ليست إلا علما استنباطيا يقوم على المبادئ والقضايا الأولية في الحساب دون حاجة للرجوع إلى التجربة الحسية .
بوشويحة ب | |
|