عرض كتاب: لغة الفساد في إسرائيل
[ 27/12/2010 - 08:09 م ]
عرض: عدنان أبو عامر (خاص - مركز الزيتونة).
يتناول الكتاب بصورة نقدية حادة حجم وطبيعة الفساد المستشري في الحياة السياسية الإسرائيلية، وأثرها على طبيعة النظام السياسي مستقبلاً في الدولة العبرية، لاسيما في ضوء تورط معظم الطبقة السياسية في قضايا فساد مالي وإداري وأخلاقي متعدد الجهات.
معلومات النشر:
عنوان الكتاب: لغة الفساد في إسرائيل.
المؤلف: برفيسور "يوسي شاين".
إصدار: دار "أور يهودا"- تل أبيب.
عدد الصفحات: 351 صفحة.
لغة الكتاب: العبرية.
سنة الإصدار: 2010.
قيادة بدون فرامل
ونظراً للخبرة الطويلة لمؤلف الكتاب، فهو يحاول استقراء تبعات ونتائج ظاهرة الفساد السياسي في إسرائيل، خاصة على صعيد تراجع وضعية الدولة بين نظيراتها من دول العالم الغربي، وأثر ذلك على حجم الامتيازات التي ستحرم منها، إذا ما بقي "بارومتر" الفساد في مؤسساتها آخذ في التزايد عاماً بعد عام.
الكتاب جدير بتقديم عرض له، سواء بسبب مواكبته لانتشار الظاهرة في إسرائيل، أو بسبب جرأة الكاتب واستعانته بمعايير دولية عالمية في محاربة ظاهرة الفساد عموماً في دول العالم.
يقول المؤلف: أخبار الفساد الجريئة، مثيرة للجدل عن حالة المجتمع الإسرائيلي، خاصة وأنها تكلف الدولة ثمناً باهظاً، ويدفع بالمرء لأن يطلق على الزعامة السياسية الحاكمة في إسرائيل اليوم بأنها "قيادة فاسدة"، وتسري كـ"القوارض" في روحها، من خلال قدرتها الفائقة على "تلويث" الجو، وتأثيرها السلبي على ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، مما يقلل من صورتها في العالم، ويخرج بقناعة مفادها أن إسرائيل وصلت إلى مستوى من الفساد فقدت من خلاله "الفرامل" والكوابح اللازمة لإدارة الدولة.
وقد حان الوقت الذي يجب فيه تجفيف المستنقع السياسي الذي تغرق به الحياة السياسية الإسرائيلية، الذي بات ذو رائحة كريهة، بعد اتضاح مدى استشراء ظاهرة الفساد السياسي، التي باتت تفوق خطر الانتفاضة.
وقد حفل الكتب بجملة من العبارات والتصريحات لعدد من القضاة والمدعين العامين في إسرائيل، ممن تابعوا عن كثب أبرز قضايا الفساد السياسي، خاصة بعد مثُول عدد من رؤساء الحكومات الإسرائيلية للتحقيق مع وحدة شرطة مكافحة جرائم الغش والاحتيال.
كما لجأ المؤلف إلى تقسيم واقع الفساد السياسي في إسرائيل إلى ثلاثة أنوا، وهي: الامتيازات الحكومية، الرشوة، والتعيينات السياسية، وهي جميعاً منتشرة بدءً من رئيس الحكومة، مروراً بالوزراء وأعضاء الكنيست، وانتهاءً بالموظفين الكبار، مستشهداً بمقولة أعلنها رئيس الكنيست السابق "أبراهام بورغ"، حين صرح قائلاً: "إن إسرائيل غدت دولة من المستوطنين تقودها زمرة من الفاسدين".
قائمة فاسدة
يحفل الكتاب بعدد وافر من قضايا الفساد السياسي والإداري والمالي، التي عاشتها الأوساط الإسرائيلية، منذ سنوات طويلة، وربما يبدو مهماً إبراز الأخطر والأهم منها، على النحو التالي:
أ- الفضيحة
الجنسية التي طاردت رئيس الدولة السابق "
موشيه كتساف"، حيث اتهم بالتحرش، ومحاولة اغتصاب عدد من الموظفات العاملات في مكتبه.
ب- الفضائح
المالية المتتالية التي لاحقت رئيس الحكومة السابق "إيهود أولمرت"، بدءً بالرشاوى المقدمة له، وانتهاءً بصفقة خصخصة بنك "لئومي"، وإطلاق عليه وصف "ورقة الشجر الذابلة".
ت- الفساد الذي أصاب سلطة
الضرائب، واعتقال رئيسها "جاكي ماتسا"، والتحقيق مع 20 مسئولاً فيها بتهم تلقي رشاوى.
ث- اتهام وزير المالية الأسبق "أبراهام هيرشيزون"، بسرقة و
تبييض الأموال، والخداع والتآمر على تنفيذ جريمة.
ج- اضطرار الرئيس السابق "عيزر وايزمن" للاستقالة، بسبب تهربه من الضرائب، فيما شكل رئيس الوزراء السابق "أريئيل شارون" علامة فارقة مع عائلته في تاريخ الفساد، من حيث تلقي
الرشاوى.
وهكذا، فالكتاب يقترب من القول أن إسرائيل دولة قائمة على نسبة فساد عالية، تأكيداً لتقرير للبنك الدولي؛ الذي اعتبر أن نسبة الفساد في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية فاقت النسبة المقبولة في الدول المتقدمة، ووصلت 8.8%، بينما في الدول الغربية لا تزيد على 4.91%، مما وضع إسرائيل في أسفل سلمها، وعلى رأس قائمة الدول الأكثر فساداً فيها، كما اعتبرها من الدول الأكثر خطورة، من حيث عدم تطبيق القانون والفلتان الاقتصادي، وترسب ظاهرة الفساد في المؤسسات الأهلية والحكومية والخاصة.
ولعل التأثير الأكثر الأهمية لهذا المسلسل من الفساد والفضائح، يتمثل بإقرار المؤلف بما أسماه "تدهور القيم واضطراب الروح وأفولها" في إسرائيل، فهي تسير في الاتجاه غير الصحيح، وتنجر في الظلمة نحو هلاك محتمل، ليس بسبب أعدائها الخارجيين، وإنما "بسببنا نحن الشعب وقياديينا، أو من يدعون القيادة، نحن الإسرائيليون لدينا قيادة تعيش كل الوقت تحت علامة استفهام أخلاقية، والجمهور لا يثق بها!".
لاسيما وأن الكتاب يرفض الربط بين ظاهرة الفساد وسوء الأحوال الاقتصادية وتدهورها، وانتشار البطالة، وتدني مستوى المعيشة، كما يروج بعض المحللين والباحثين، بل إنها متجذرة في المجتمع الإسرائيلي، نتيجة عدم التجانس والانسجام بين أفراده، نظراً لتعدد الجهات، واختلاف البلدان التي قدموا منها، وتباين البيئات التي عاشوا فيها في السابق قبل قدومهم لإسرائيل، وعدم قدرة الكثيرين منهم على التكيف والتأقلم مع الحياة الجديدة، خاصة أن الفساد يستشري بصورة أكبر في الشرائح العليا من المجتمع التي تملك السلطة والنفوذ في الدولة.
زعزعة الثقة
ينظر الكتاب في مجمله إلى ظاهرة الفساد في إسرائيل، على أنها من أكثر المشاكل المقلقة في نظام الحكم، بحيث تصل إلى ذات درجة الخوف مما أسمته "الإرهاب والجريمة"، لاسيما وأنها تؤثر على الصورة النمطية والانطباع العام حول النظام السياسي الإسرائيلي، والنخب السياسية والبيروقراطية، بل ويمتد تأثيرها السلبي على العملية السياسية واتخاذ القرارات المصيرية، وهذه خطورة الفساد السياسي بالأساس، لأنها تؤدي بالمحصلة إلى غياب الثقة والأداء الصحيح والتفكير السليم في اتخاذ خطوات وقرارات مفصلية تاريخية.
ويحاول المؤلف وضع جملة من هذه التأثيرات لظاهرة الفساد المستشري في إسرائيل على النحو التالي:
1- اتساع زعزعة الثقة الإسرائيلية بالمؤسسة الحاكمة، من خلال إظهار "مقياس الديمقراطية الإسرائيلي السنوي" أن معدل الثقة الجماهيرية برئيس الوزراء هبط من 34% العام الماضي إلى 21% فقط في العام الجاري، كما أن الثقة في رئاسة الدولة انخفضت بصورة جوهرية من 67% إلى 22% فقط. في ذات السياق، فإن 79% من الجمهور الإسرائيلي يبدي قلقه على مستقبل الدولة بسبب الفساد، الذي يعتقد 75% منهم بوجوده في إسرائيل، وانتشاره على مستوى واسع للغاية، مما دفع بالغالبية العظمى منهم لأن تعرب عن عدم ثقتها في القيادة السياسية.
2- تأثير لا يقل أهمية، يتعلق بمستقبل نظام الحكم السياسي الإسرائيلي، لأنه عندما يتم التحقيق مع رئيسي الدولة والحكومة، وأقطاب المؤسسة الحاكمة في قضايا فساد وضلوعهم فيها، فإن ذلك يهدد استقرار الكيان السياسي برمته.
3- التأثير السلبي على الصورة الذهنية لدى العالم عن إسرائيل، وهو ما حدا بالسفراء والقناصل الإسرائيليين لإبلاغ وزارة الخارجية، بأن الدول التي يخدمون فيها قلقة من حجم الفساد في إسرائيل، وإن نشر قضايا الفساد بصورة يومية ألحق ضرراً كبيراً بصورة "الدولة" على مستوى العالم، بحيث يطغى الحديث عن الفساد على كل لقاء يعقدونه مع أي وفد سياسي وصحفيين وصناع رأي عام في تلك الدول، لاسيما في أوروبا الغربية والولايات المتحدة.
سيرة حافلة
يعتبر مؤلف الكتاب ذو سيرة ذاتية علمية مثيرة للانتباه، مما منح الكتاب قيمة رصينة، فقد حصل على الشهادتين الأولى والثانية من جامعة تل أبيب مع مرتبة الشرف، ثم توجه إلى جامعة "بيل" لدراسة الدكتوراه في العلوم السياسية.
وقد أتيحت له الفرصة ليترأس قسم العلوم السياسية في الجامعة، إلى أن حصل على مركز "الأستاذ الكامل" في جامعة "جورج تاون"، وأستاذاً زائراً في جامعتي "ييل، وويسليان"، كما عمل زميلاً باحثاً في كلية "سانت انتوني" التابعة لجامعة أكسفورد، إلى أن عين رئيسا لكلية الجليل الغربي، وقد أسس عام 2004، ما بات يعرف بـ"الخطة اليهودية إلى الحضارة".
كتب "شاين" وحرر ستة كتب حتى الآن، ونشر مقالات في خمسين مجلة علمية على مستوى العالم، وقد فاز بعدد من الجوائز العلمية لعل أهمها جائزة "أبناء العلوم السياسية الأمريكية"، وجائزة "رابطة الكتاب السنوي"، وجائزة "الرابطة الإسرائيلية للعلوم السياسية".
من أهم كتبه المنشورة: دور المغتربين في إدامة الصراع أو القرار، اليهودية الجديدة والأسئلة الألمانية والتحالف عبر الأطلسي، العرب الأميركيون، القرابة والشتات في السياسة الدولية، التسويق العقيدة الأميركية في الخارج، اللجوء السياسي في عصر الدولة الأمة، الحكومات المؤقتة والانتقالية الديمقراطية.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 27/12/2010