إن سر الارتقاء الروحي والجماعي الذي أدركه صحابة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا موصولين بالله على أساس صحيح، فلم يشعروا في الفعل له بما يشعر به الكثيرون من عنت وتكلف، ولا يعانون من شرود وحيرة.
هناك طبيعتان في الإنسان غير منكورتين: الإعجاب بالعظمة، والعرفان للجميل. عندما ترى آلة دقيقة أو جهازا عجيبا أو صو...رة رائعة أو مقالا بليغا، فإنك لا تنتهي من تبين حسنه حتى تنطوي جوانحك على الإعجاب بصاحبه، فإن الذكاء العميق والاقتدار البارز يجعلانك تنحني من تلقاء نفسك احترام للرجل الذكي القدير!
وكذلك عندما يسدى إليك معروف أو تمتد يد إليك بنعمة ، فإنك تذكر هذا الصنيع لمن تطوع به، وعلى قدر ضخامة ما نلت من خير، يلهج لسانك بالثناء ويمتلئ فؤادك بالحمد، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ، ولساني، والضمير المحجبا!
إنك ترمق ، بإجلال مخترع الطيارة، وكلما رأيتها تشق الفضاء زدت إشادة بعبقريته فما رأيك فيمن يدفع الألوف المؤلفة من الكواكب تطير في جو السماء من غير توقف ولا عوج؟!
ومارأيك فيمن خلق عقل هذا المخترع، وأودع في تلافيف مخه الذكاء الذي وصل به إلى ما راعك واستثار إعجابك؟
أليس ربك ورب كل شيء أحق بأن تعرف عظمته وتفتح عيونك على آثار قدرته.. .. ؟
فإذا عرفت عظمته من عظمة الوجود الذي يحيط بك ، خجلت من التهجم عليه ونسبة ما لا يليق إليه !! وقلت مع العارفين : "ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار".
محمد الغزالي