فكّر بغيرك - أحمد الشقيري
وتستمر ثقافة التفكير بالغير تتجسد في الحياة اليومية العادية في طوكيو. فمثلا عندما تشتري “آيسكريم” من باسكن روبنس في طوكيو يسألك البائع : هل تريده في علبة أو على بسكوت؟ فإن قلت في علبة سألك: متى ستأكله؟ فتقول مدة معينة فيذهب البائع ويضع الآيس كريم في العلبة ثم يضع على العلبة ثلجاً ليبقي لك الآيسكريم باردا. وليس أي نوع ثلج ولكنه نوع خاص من النوع الذي يتبخر حتى لا يسيح ويبلل العلبة! وسبب سؤاله عن المدة التي ستأكلها أنه يوجد لدى البائع جدول يقول له كم جراماً من الثلج يضع لكل مدة!! فإن قال الزبون ربع ساعة فكمية الثلج التي توضع أقل من لو قال ساعة مثلا!! وذلك لعدم إهدار كميات ثلج أكثر من الحاجة.
سيقول البعض إن هذا من ضمن خدمة العملاء ولكسب الزبائن وهذا ربما صحيح ولكن لماذا لا يوجد هذا النظام في أي مكان في العالم حتى في أمريكا؟؟ لأن الفكرة نابعة من تفكير الياباني المستمر في كيفية جعل حياته أفضل وأحسن في كل شيء حتى في أمر بسيط مثل بيع الآيس كريم… عدة حكم تؤخذ من هذه الفكرة:
1- إن الابتكار والأفكار ليس لها حدود، وهي تأتي أولا بأن يسأل الإنسان نفسه (كيف يمكن أقوم بهذا الأمر بشكل أحسن) وهذا المبدأ من أهم أسرار تطور اليابانيين. وهو مبدأ اسمه (كايزن) أي مبدأ التطوير المستمر. أقترح على الجميع القراءة عنه أكثر فهو المبدأ الذي جعل تويوتا اليوم السيارة رقم واحد في العالم وجعل الأمريكان يرسلون مهندسيهم للتعلم من تويوتا!
2- ثقافة التوفير الشديد لدى اليابانيين، فهم شعب منتج وليس مستهلكاً.. وهذا تعلموه بسبب قلة الموارد لديهم (رغم أنهم من أغنى شعوب العالم) فلذلك تجد الحرص على عدم وضع كمية ثلج أكثر من الحاجة، وثقافة الاقتصاد والتوسط في كل شيء هي ثقافة وتعليم إسلامي أصيل حيث يقول سبحانه (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) ففي قياس كمية الثلج تطبيق عملي لعدم الإسراف.
3- إن الياباني لا يقلد فقط ولكنه يضع مبادئه وقيمه في الأمر الذي يأخذه من الغرب! فباسكن روبنس ماركة أمريكية مشهورة وهي منتشرة في كل أنحاء العالم ولكن فقط اليابانيين هم من أضافوا لمستهم ومبادئهم في داخل هذا المحل الأمريكي في وسط طوكيو.. وهذه رسالة هامة لنا نحن المسلمين أنه لا يمنع أن نحضر منتجات الغرب ولكن المهم أن نضيف إليها إضافة تجسد مبادئنا الإسلامية حتى لو كانت في أمر بسيط كالآيسكريم… وتعجبت عندما عرضت الفكرة على أحد العاملين في محل آيسكريم هنا فأبدى امتعاضا شديدا من الفكرة وقال لي : هذا سيكلف كثيرا ويقلل من ربحنا.
تذكرة:
لم نذهب إلى اليابان للتمجيد ولا للتقليد, ولكن لنأخذ منهم كل مفيد.
الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.