لا يخلو التاريخ من الأشخاص الذين أسهموا في الإنسانية وتركوا البصمات بطريقة عبقرية إيمانية توحيدية أممية مخلصة فيها اليقين والمحبة والعطف والحنان ومجابهة الباطل وإحقاق الحق، فلقد أسهم كل شخص بتاريخ جماعته وأفراده بطريقة ما، ولكن الصعب بل المستحيل إيجاد شخص أسهم وغير في تاريخ الإنسانية حتى غدا متوافقاً عليه بين غالبية سكان البسيطة إلى عصرنا الحالي. هو بالمقام الأول خليل الرحمن الرسول النبي، هو الموحد ذو القلب الرحيم، هو من يساوي أمة بكاملها، والعجيب أن حياته كلها كانت عبارة عن مواقف لا تخلو من الإبتلاءات والامتحانات التي إن خضع لها شخص آخر لن يستطيع الصمود أمامها، فسوف ينحني وينكسر مباشرة، هو إبراهيم أمة قائمة بذاتها – عليه أفضل الصلاة والسلام -.
لا يمكن وصف حياة إبراهيم بأنها حياة عادية بسيطة، وهي ليست قطعاً كحياة الأنبياء، فما تعرض له إبراهيم خلال حياته لم يوجد له مثيل حتى بين خير البرية والأنام الرسل – عليهم الصلاة والسلام-، ولهذا فمن الصعب أيضاً بل من الإجحاف في شخصه الكريم وجنابه العالي المطهر الرفيع، وصفه بأنه صاحب المعجزات الخارقات، لأن مفاصل حياته هي معجزات بحد ذاتها، تسلب ألباب العقلاء كما سلبتهم إلى يومنا هذا. ولو استعرضنا ما مر به هذا النبي من حوارات نفسية عميقة المدلول والمعنى سنجد أنه إلى جانب كونه نبي فهو فيلسوف بعناية إلهية فريدة ذو حجة قاطعة، فحواره مع عباد الآلهة المزيفة بين عباد الشمس والقمر وما فعله بعبدة الأوثان يوصلنا إلى أن شبابه كان معجزة وإسلامه كان معجزة، فأي شاب يستطيع التفوه بمثل ما تفوه به إذا ما أخذنا الظروف التي كانت تحيط به بعين الاعتبار من سلطة قومه وقوتهم، ووحدته هو ومعتقداته بينهم، إلى أن أوصلته هذه المعتقدات إلى معجزة مادية عجيبة وهي عدم جريان خاصية النار الإحراقية عليه عندما ألقوه بها.
ولقد أظهر أيضاً تصرفات إعجازية في مواقف أخرى فصبره على عدم الإنجاب وهو بهذه العظمة والشأن هو معجزة، وصبره على ترك الطفل الرضيع وأمه في وسط الصحراء اللاهبة امتثالاً لأمر الله هو معجزة، وخضوعه التام لأمر خالقه عندما أمره بذبح ابنه هو معجزة لا يستطيع العقل البشري استيعابها، فإبراهيم لم يكن بشراً عادياً البتة، إنما كان بشراً من نوع آخر، لا يمكن الإتيان بشبيه له حتى بين أعظم العظماء، ولن نغفل الإعجاز في رحمته وعطفه حتى على المجرمين وهو قوم نبي الله لوط –عليه السلام- وما قد كان منهم من مخالفات صارخة للفطرة الإنسانية.