الجليس التربوي

مرحبا بك عزيزي الزائر في منتديات الجليس التربوي
لكي تكون لك الصلاحيات في المساهمة و تحميل المواضيع والردود عليها
يشرفنا أن ندعوك لتسجيل نفسك كعضو مميز في المنتدى
نحن ننتظر أولى مساهماتك بعد التسجيل ـ

الجليس التربوي

مرحبا بك عزيزي الزائر في منتديات الجليس التربوي
لكي تكون لك الصلاحيات في المساهمة و تحميل المواضيع والردود عليها
يشرفنا أن ندعوك لتسجيل نفسك كعضو مميز في المنتدى
نحن ننتظر أولى مساهماتك بعد التسجيل ـ

الجليس التربوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولأهلا وسهلا
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2 وصلى الله على نبينا الأكرم ، وعلى آله وصحبه وسلم الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2مرحبا بكم زوارنا الأفاضل في منتدى الجليس التربوي الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2 منتدى التربية والتعليم والفكر و الثقافة الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2 المساهمات في المنتدى لا تعبر إلا عن أراء أصحابهاالاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2 لأعضائنا الافاضل واجب الإبلاغ عن المساهمات المخالفة والروابط التي انتهت صلاحيتها الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2تعتذر الإدارة عن أي إشهار غير لائق لأنها لا تملك حقوق حجبها أو حذفهاالاعتذاريات للنابغة الذبياني  Flower2 شرحٌ بالفيديو لطريقة التسجيل في منتدى الجليس التربوي
تمنياتنا لجميع طلبتنا الأعزاء بالنجاح في مشوارهم الدراسي . هذا المنتدى للبحث عما يفيد طلبتنا في حياتهم الدراسية فاغتنموا كل يعينكم على النجاح . نلتمس من أساتذتنا الأفاضل المشاركة بملفات ومحتويات تعين طلبتهم في دروسهم .

 

 الاعتذاريات للنابغة الذبياني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
بوشويحةب
الإدارة
الإدارة
بوشويحةب


عدد المساهمات عدد المساهمات : 1722
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 08/10/2010
العمر العمر : 46
الموقع الموقع : بشار

الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Empty
مُساهمةموضوع: الاعتذاريات للنابغة الذبياني    الاعتذاريات للنابغة الذبياني  I_icon10الأربعاء 12 يناير 2011 - 21:35

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شاعرنا اليوم هو أعظم شعراء الجاهلية قدراً ، وكانت العرب ترجع إليه في نقد
الشعر . قيل أنه كانت تُنصب له خيمة عظيمة حمراء في سوق عكاظ فيأتيه
الشعراء ويعرضون عليه أشعارهم فمن أجازه شاعرنا هذا اعترفت له العرب
بالعظمة الشعرية . وله في ذلك أخبار مع الأعشى الكبير وحسان بن ثابت
والخنساء.

سنتناول اليوم من روائع الأدب العربي الاعتذاريات للنابغه الذبياني

الاعتذاريات للنابغة الذبياني  Images?q=tbn:ANd9GcTCgUVbYA44BAJjT852P0eGe1OBf0rA6ShdFLn_i9rZ7cmg3f_FBg
من هو النابغه الذبياني؟
النابِغَة الذُبياني
18ق. هـ / 605 م هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري، أبوأمامه.
نسبه:
هو
زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن مرّة بن عوف بن سعد،
الذبياني، الغطفاني، المضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز،
ينتهي نسبه كما قال التبريزي إلى قيس بن عيلان، ويكنى بأبي أمامة، وقيل
بأبي ثمامة، كما هو وارد في "الشعر والشعراء"، وبأبي عقرب على ما يذهب إليه
البغدادي في خزانة الأدب
.

لقبه:
لقب بالنّابغة لأنه نبغ في الشعر بعد أن كبر وتقدمت به السن و لقوله: وحلّت في بني القين بن جسر*** فقد نبغت لهم منا شؤون




المعجم الشعري في اعتذاريات النابغة :
المتأمل
لشعر النابغة الذبياني يلحظ تداخل المدح والاعتذار في شعره بوصفهما
موضوعين متمايزين ، وحد بينهما الظرف الخاص في حياته : علاقته بالنعمان
وهذا ما جعله يمدح أثناء اعتذاره ، ويعتذر في مدحه .

إلى
جانب هذا ، فإن ألفاظ شعر الاعتذار تبدو ظاهرة للمتأمل فيمكن ملاحظتها، من
خلال تكرارها الدائم والمستمر في مجموعة من الصيغ المتماسكة ، ومنها :

(1) – صيغ القول والإخبار :
يأتي
الفعل " قال / قلت " في إطار سياق المدح والاعتذار من باب الحكاية عن حدث
ماضٍ ينفيه سياق الحديث ، دفعاً لشبهة القول ، في إشارة واضحة إلى أصل
الوقيعة بين النابغة والنعمان ، حدث قول شفاهي يرتبط من ناحية الفعل بالأثر
السحري للكلمة الملفوظة ، في ثقافة تقوم على الشفاهية بالكلية (8) . يقول
النابغة :

أتاك امرؤ مستبطـن لي بغضة له من عدو مثل ذلك شافـع
أتاك بقـول لم أكـن لأقوله ولو كبلت في ساعدي الجوامع
أتاك بقولٍ هلهل النسج كاذب ولم يأت بالحق الذي هو ناصع
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو إمة وهو طائع (9) .
ويظهر
في الأبيات ارتباط فعل القول بلفظين آخرين له : الإتيان والحلف ، والأخير
يشير إلى الصورة الدافعة في هذا القول " القسم " ، حيث يأتي متأولاً بالحلف
مرة ، والنطق مرة أخرى ، والتعريض ثالثة ، والوعيد واللوم ، والنهي ،
والمدح والاستغاثة ، ولفظ القسم في مرات أخرى متكررة:

لعمري وما عمري عليَّ بهين لقد نطقت بطلاً عليَّ الأقارع (10) .
(2) – الوعد والوعيد :
يعد
الوعيد من أبرز كلمات القسم الاعتذاري في شعر النابغة ، إذ يعبر عن تعقد
العلاقة وتوترها بين النابغة الذبياني والنعمان بن المنذر ، وذلك نحو قوله :

فلا تتركني بالوعيد كأنني إلى الناس مطلى به القار أجرب (11) .
وقوله :
وقد حال همٌ دون ذلك شاغلي مكان الشغاف تبتغيه الأصابع (12) .
والبيتان
السابقان يظهران العلاقة ما بين الوعيد ولفظ آخر هو الهم ، الذي يعد
استبدالاً عن الوعيد ، ويقيم معه علاقة تآزرية تخدم النص الشعري ، وتبين
مدى الآلام النفسية المتطرفة على الشاعر تجاه النعمان . وقد تكررت إشارة
النابغة إلى هذا الهم ، ودائماً فسره بالوعيد المنسوب إلى النعمان بن
المنذر ، أو الشر المنتظر المنسوب إلى غيره :

وإني عداني عن لقائك حادث وهم أتى من دون همـك شاغلي
وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعـلٍ في ذي المطارة عاقـلِ
مخافة عمـرو أن تكون جياده يقدن إلينـا بين حـاف وناعل (13) .
وعليه فالهم يأخذ في هذه الأبيات معنى الوعيد الخاص بالنابغة ، والشر الذي يتوقعه .
(3) – الإبلاغ والتبليغ :
ويتصل بهذا الوعيد فعل الإبلاغ " أتى " بمعنى وصلني الخبر ، وهو الذي لاحظت علاقته قبل هذا بالقول :
أتاك بقولٍ لم أكن لأقوله ولو كبلت في ساعدي الجوامع (14) .
على
أن" أتى " تقوم بهذا المعنى الإبلاغي حين يكون المتكلم النابغة، وحين يتصل
الخبر به، أما حين يريد النابغة نفسه أن يبلغ القول أو الخبر لآخرين فإنه
يستخدم فعل الإبلاغ " مبلغ " واضحاً مباشراً . يقول النابغة :

أبلـغ بني ذبيان ألاَّ أخـاً لهم يعيش إذا حلـوا الدماخ فأظلمـا(15) .
ألا أبلغـاً ذبيان عنِّي رسـالة فقد أصبحت عن منهج الحق جائر(16) .
فإن كان معنى " أبلغ " ظاهرة الدلالة على معنى التوصيل (17) . والنابغة يستخدمه في معناه الأصلي " الإبلاغ المادي " والمعنوي إبلاغ القول :
فتلك تبلغني النعمان إن له فضلاً على الناس في الأدنى وفي البعد(18).
فإن "
أتى " تحمل معنى الشك في الخبر بوصفه جزءاً من استراتيجية الدفاع القولي
التي اتبعها النابغة في الدفاع عن نفسه . ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى
أن النابغة سمى اعتذارياته بما فيها من مدح فضمنه عذره، وربطه بالثناء
"المدح في سياق قولي ظاهر:

هذا ثناء فإن تسمع بـه حـســناً فلم أعرِّض – أبيت اللعن – بالصفد .
ها إنَّ ذي عذرة إلاَّ تكن نفعت فإن صاحــبهـا مشـارك النكـــد(19) .
كما يدخل في معجم الإبلاغ الخبري " لتخبرني"، والإنباء " أنبئت ":
ألم أقسم عليك لتخبرني أمحمول على النعش الهمام .
وأنبــأه المنـبي أن حيــاً حلولاً من حزام أو جذام(20) .
غير
أن الإنباء يعبر عن فاعلية البناء للمجهول، بما يتضمن الفعل في نفسه من
معنى التخمين والتلقي من مصدر خارجي، بينما الإخبار وهو ضئيل الاستخدام في
شعره– يقف في الجانب المواجه، أي فاعلية المعلوم الحاضر بضمير المتكلم في
النص الشعري.

·البنية الدلالية للكلمة الشعرية في اعتذاريات النابغة :
1 – الاشتقاق :
يستخدم
النابغة مشتق الكلمة من مادتها نفسها ليكررها ، فيصنع بذلك حركة مزدوجة
صوتياً ودلالياً بين هذه الكلمات ، وهي الحركة التي تعد في هذا الشعر أبرز
آليات عقد الصلة الدلالية بين هذه الكلمات . ومن الاشتقاق الذي يستخدمه
النابغة الفعل " قال " ، الذي يستخدمه في صوره الفعلية الثلاث ، قال / قلت /
يقولون . قل . كذلك الاسم منه " مقالة / قولاً " ، ليصنع من مادة " قول "
وحدة حركة تفرق بين موقفين متضادين ؛ أحدهما " يدعي " وهو المغيب غير
المتعين اسماً في هذا الشعر ، ويشار إليه " بالعدو " ، والثاني يدافع عن
نفسه بنفي هذا القول وسلبه كل مصداقية تدعمه :

أتاني – أبيت اللعن – أنك لمتني وتلك التي تستك منهـا المسامـع
لعمري ومـا عمري علـيّ بهين لقد نطقت بطـلاً علي الأقـارع
أقـارع عـوف لا أحاول غيرها وجوه قرودٍ تبتغـي مـن تـجادع
أتـاك امرؤ مستبطن لي بغضـة لـه مـن عدو مثـل ذلك شـافع
أتاك بقولٍ هلهل النسـج كاذب ولم يـأتِ بالحـق الذي هـو ناصـع
أتاك بقـولٍ لـم أكـن لأقوله ولو كبلـت في ساعـدي الجوامـع(21).
ومن
هنا فإن فعل"القول" في هذا الموقف حمل في بنيته تضاداً بين نفي الفعل
وإثباته، والنفي والإثبات على هذا النحو أحد وسائل تحقيق الاشتقاق، وإن لم
تقل عنها بروزاً في بنيته، فالقول في الأبيات يقوم بالتصوير الدقيق، فهو
حين يتعلق بالإتيان "أتاني أنك لمتني"يتحول إلى شخص فاعل متوارٍ في حدث
القول نفسه"اللوم".وهكذا يمكن أن نلحظ ما يقوم به الترديد القائم على
الاشتقاق في هذه الأبيات ونحوها؛ إذ تعمل المادة على تفسير نفسها بنفسها،
والإشارة إلى دلالتها ممثلة في بنيتها التركيبية، صرفاً ونحواً وصوتاً،
فنحصل بذلك على صورة تشخيصية تجاوز البنية الدلالية واللغوية كليهما.

2 – التضاد :
يعد
تبادل الإثبات والنفي في الكلمة المتكررة وسيلة من وسائل صناعة التضاد في
هذا الشعر ، أما أن يقوم التضاد على تقابل معنى كلمتين مثبتتين – وهو الأصل
الشائع عند البلاغيين ، فهو غير شائع لدى النابغة ، ومقاله الأبرز قوله :

تبدو كواكبه والشمس طالعة لا النور نور ولا الإظلام إظلام (22) .
فقد
عقد النابغة مقارنة ضمنية بين النور والإظلام ، ووضعهما في حيز لغوي واحد "
النفي " ، وتوصل من ذلك بالتكرار إلى نفي تأثير آلة الإضاءة الكواكب
والشمس ، ومحصلة ذلك " الدلالة في المستوى الأول على انعدام الرؤية ، وفي
المستوى الثاني الأعمق الدلالة على الاختلاف ، اختلاف هذا اليوم عن غيره ؛
لأنه لم يقرر انعدام النور

وانعدام
الظلام ، بل قرر بلا العهد في النور والإظلام وجودهما . لكنه نفى أن يكون
هذان النور أو الظلام المعروفان ، فإذا لاحظنا أن النور الإظلام يمثلان
طرفي العالم المعروف لنا ، تبين وجود اضطراب عظيم يحيط بهذا الكون – كون
الشاعر – ومن ثم نتواصل إلى ما تمثله العبارة كلها من كناية عن الشر المحيط
بالمرجع في البيت – وهو بنو عامر المخاطبين في النص " (23). غير أن الشكل
الأوضح للتضاد في شعر النابغة ، والذي يبدو صاحب المقام الأول عنده ، فإنه
يقوم على " تحريك الدلالة في اللفظين المتضادين ؛ إذ ينتمي كلاهما في الأصل
إلى حقل دلالة مختلف ، ولا يضاد الكلمة المقابلة له في السياق ، إلا على
أساس من صلتهما الدلالية بالحقل الدلالي المقابل للكلمة الأولى " (24) ؛
يقول النابغة :

أتاك بقول هلهل النسج كاذب ولم يأت بالحق الذي هو ناصع (25) .
فقد
صنع النابغة التركيب اللغوي المتناظر والمدعم بالنفي والإثبات
والتكرار"أتاك" ولم يأت تضاد بين القول والحق، ولم يكن ليوجد في خارج هذا
التركيب، وفي غير هذا السياق، فإن الأصل أن يضاد القول الصمت، وأن يضاد
الحق الباطل، لكن التركيب زحزح الدلالة ليحمل القول معنى الباطل ويحمل الحق
معنى الصمت. ومن ثم يمكن القول: إن النابغة هو صاحب الفضل في صناعة مثل
هذا النوع من التضاد، وهو النوع المفضل لديه حيث لا يخلو نص منه بدرجة ما،
كما أنه مسئول في بعض صوره عن صناعة المجاز في هذا الشعر.

3 – الترادف :
يقوم الترادف في شعر النابغة على تحريك الدلالة في إطار السياق ويعمل على إثارة التركيب اللغوي وفاعليته ، ومنه قوله :
إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج ويأت معـداً ملكهـا وربيعهـا
ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد وتلك المنى لو أننا نستطيعهــا
وإن يهلك النعمان تعـر مطيّه ويلق إلى جانب الفناء قطوعهـا
وتنحط حصان آخر الليل نحطة تفضفض منها أو تكاد ضلوعهـا (26) .
فبالإضافة
إلى الترادف الظاهر الشائع بين"نفرح ونبتهج"، فإن السياق يصنع ترادفاً بين
"يرجع ويأت" من ناحية، وترادفاً بين"يهلك وتعر وتنحط" من ناحية أخرى على
ما بين الجانبين من تقابل ظاهر في السياق، حيث التفريق بين موقفين ن وإن
احتفظت كل كلمة بحدودها الدلالية الأصلية وأضافت إلى مرادفها السياقي ما
يعني الدلالة."فالأصل في "يرجع"التردد والتكرار وهو دال على
العودة،أما"يأت" فدال على الانقطاع في زمن المضي والاتصال في حالة الآنية
الزمنية للفظ ومعناه، إلا أن التركيب والسياق كليهما جعل"يأت" تأخذ من
معنى"يرجع" ما جعلها تدل على التردد والتكرار والعودة بالإضافة إلى الاتصال
المنقطع عن ماضيه الموجود في أصل معناه – وكذلك يرجع أخذت من معنى
الاتصال"(27).

ويسمي
بعض الباحثين هذا الترادف بالترادف السياقي التركيبي (28) ، وهو يختلف عن
التضاد والترادف المصطلح عليهما عند البلاغيين واللغويين القدماء. أما
الترادف بمعناه الاصطلاحي فقد استخدمه النابغة كغيره من الشعراء ، غير أنه
لا يعتمد عليه اعتماداً كبيراً في حركة دلالته ومثال ذلك قوله :

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد وتلك المنى لو أننا نستطيعها
وقوله أيضاً :
وشيمة لا وان ولا واهن القوى وجد إذا خاب المفيدون صاعد(29).
فإن "
وانٍ ، وواهن " مترادفان في المعجم ، وقد استخدمهما النابغة بالمعنى نفسه
دون تغيير كبير أضافه إلى السياق . لذلك يمكن القول بأن هذا النوع من
الترادف الذي يتطابق فيه المترادفان لا يعمل على الاستفادة من المترادفين
وإنتاج معنى جديد يثري السياق والنص(30).

والكلام
نفسه كان ينطبق على ملك وسؤدد في البيت السابق لولا أن السياق – وهو رثائي
مدحي مشترك – يدعو إلى التفريق بينهما من باب أن " ملك " دالة على الملك
وأعوانه ،

أي
السلطة السياسية الفعلية ، وقد تدل في بعد آخر على صاحب المملكة وهو
الممدوح في النص – النعمان بن الحارث الأصغر – بينما السؤدد دالة على
السيادة المعنوية ، وتحمل معنى الشرف ، بما يبرر ترادفهما في النص دون
يمتلأ المعنى بهما .

·الصورة الفنية في اعتذاريات النابغة :
المتتبع
لعالم النابغة الذبياني الشعري فيما يختص بالصورة الفنية ، وبوصفه ممثلاً
لذلك العصر ، لا بد أنه سيقع في نهاية المطاف على هذا العالم الخلفي
للإنسان إذا قرأنا شعره قراءة متأنية ، فالقراءة المتأنية لقصيدة من قصائده
تطلعنا على ما وراء النص ، "وهنا تتحول القصيدة من تجربة محدودة إلى عمل
متكامل يشمل الرؤية الشاملة للوجود وتتحول لغة التعبير الشعري في بعض
الأحيان " من وصف العالم الخارجي إلى وصف العالم الداخلي ، وإلى التعبير عن
شحنه النفسي باستخدام لغة تعبيرية مكثفة بدلاً من الوصف المادي " (31) ،
وبالتالي استطاعت تلك الصور أن تعبر من داخل صنعتها عن روح الإنسان الجاهلي
وعصره ، والشاعر ينظر إلى ما حوله نظرة تخالف نظرة الإنسان العادي .

والشاعر
يعتمد على مجموعة من الأدوات الفنية التي يستعين بها في استجلاء واستبانة
القصد ، هذه الأدوات التي تتآزر وتتكاتف فيما بينها من أجل رسم صورة كلية
لعالم الشاعر " فالتصوير هو الأداة المفضلة في الشعر ، والصورة تعبر عن
المعنى الذهني ، والحالة النفسية عن الحادث المحسوس ، والمشهد المنظور ،
وعن النموذج الإنساني ، والطبيعة البشرية ، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها
فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة ، فإذا المعنى الذهني هيئة ، أو
حركة ، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد ، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي
وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية "(32).

فشاعر
كالنابغة بقامته الشعرية السامقة التي اختطت لنفسها خطاً شعرياً واضحاً
يتمايز عن غيره من الأصوات الشعرية ، ويحتل مكانة عالية تتفرد عما سواها ،
فشعر النابغة يحمل صورة فنية تعد ثمرة عظيمة لتجارب كثيرة في حياته وفي
مجتمعه ، وفي مؤثرات ثقافته التي عملت على تكوين شخصيته الشعرية ، وعلاقاته
بملوك عصره ، وارتباطه بقبيلته ، ودفاعه عنها " فالنابغة لا يصور هذا
الواقع من ذاته ، ولكنه يعكس رؤيته له ، ومن ثم فإنه يعرض لتصويره ، ويحرص
على أن يخلق صورته خلقاً يعكس هذه الرؤية أو تلك ، ونجد صدى ذلك في نفسه
عندما يكشف عن خلجاته الشعورية ، وحقائقه النفسية ، ويرصد عالمه الداخلي ،
فيربط بينه وبين أشيائه التي يراها من خلال مشاعره ، ويضفي عليها صبغة نفسه
فيصفها وصفاً يصدر عن واقعية ؛ لأنه يرى فيها نوعاً من المعاناة المفروضة
عليه مما يتعرض له من قسوة وخشونة " (33) .

فذهن
الشاعر لا يعمل على نقل الواقع الخارجي نقلاً مجرداً ، وإنما يأتي الشعر من
حيث كونه " صورة رسمت بالكلمات ، وربما تحدث الصورة من وصف واستعارة
وتشبيه ، أو تقدم إلينا في تعبير أو فقرة هي حسب الظواهر وصفية خالصة للوصف
، ولكنها توصل إلى خيالنا شيئاً هو أكثر من مجرد الانعكاس الدقيق للواقع
الخارجي"(34).

* أولاً التشبيه :
الشاعر
الحاذق لا يكتفي بالنظرة العجلى المجملة التي تقدم فكرة سطحية عن الأشياء،
وإنما لا بد أن يتعرف على حقيقتها، ويعوّض في أعماقها،هذه المحاولة تجعله
يرفض النظرة المجملة، ويلح على النظرة المفضلة التي تتأمل الأشياء وتتعمق
في بواطنالأمور.

والإبداع
الشعري يستند إلى مجموعة من المقومات الفنية التي تخطط له بثباته
واستقراره، وتتيح له فرصة السمو والنهوض بين غيره من الأعمال الإبداعية ،
وتعد الصورة الفنية إحدى جزئيات العمل الشعري التي تتكامل مع غيرها من
العناصر من أجل رسم ملامح محددة للعمل الشعري .

ويعد
التشبيه من أبرز ملامح وجزئيات الصورة الشعرية فهو علاقة مقارنة تجمع بين
طرفين لاتحادهما أو اشتراكهما في صفة أو حالة أو مجموعة من الصفات
والأحوال، هذه العلاقة قد تستند إلى مشابهة حسية وقد تستند إلى مشابهة في
الحكم . والنابغة شأنه شأن غيره من فحول شعراء الجاهلية يستمد مادة التشبيه
من " الطبيعة ومظاهرها المتعددة ، فهي – في مجموعها – مادة حسية مشتقة من
الصحراء وما يتراءى فيها من مناظر الطبيعة ومظاهر الحياة"(35).

وقد
أبدع النابغة مجموعة من الصور الشعرية التي تعتمد اعتماداً رئيساً على
التشبيه بوصفه ركيزة أساسية في استيضاح الرؤية وإبراز الجانب النفسي الذي
يسيطر على الشاعر تجاه الآخر / النعمان بن المنذر ؛ يقول النابغة :

فبت كأني ساورتني ضئيـلة من الرقش في أنيابها السم ناقع
يسهـد مـن ليـل التمام لحلي النساء في يديـه قعاقـع
تناذرها الراقون من سود سمها تطلـق طوراً وطوراً تراجع(36).
فالنابغة
اتخذ من الاعتذار في هذه الأبيات صورة يبين فيها أثر ما أصابه من غضب
النعمان عليه، وجعل لهذه الصورة موضوعاً هو الحزن والليل الذي لا يهنأ فيه،
ولا يستريح، بل يقض مضجعه، لأن الهم لا يفارقه، فهو قلق حائر مضطرب كأن
حية تراوده، وخلع على الحية صفات تزيد من إحساسنا بالقلق، فهي ضئيلة
وضآلتها تبالغ بقدرتها على بث السم، وعلى سرعة حركتها(37). وعلى الرغم من
أن الحية الرقشاء هي الحية التي يتكاثف سمها عن الحية الضئيلة ، فإن
النابغة عاد وكرر بأن السم في أنياب تلك الحية هو سم ناقع ، أي قاتل.
فتكرار المعنى يجعلنا نحس بما يحسه النابغة، وندرك إلى أي مدى يكون العذاب،
فتكون الصورة حينئذ قد أدت مهمتها البلاغية.

ولعل
النابغة قد ركز على الليل بكل ما يحمله من توتر وقلق وحزن وخوف شديد من
القادم في جوف المستقبل ، فليل النابغة ليل مخيف مفزع لا تهدأ فيه نفسه ،
ولا تكتحل فيه جفناه بسنة من النوم ، لأنه يرقد على شوك ، ومن كان فراشه من
شوك ، لا يعرف طعم الراحة ! .

فبت كأن العائدات فرشنني هراسا به يعلى ويقشب (38) .
فهذا
التصوير البليغ الذي يطرح مدى القلق النفسي الذي يساور الشاعر ، فالفراش
يذخر بالشوك الذي يجعله لا يهنأ بنوم ، ولا يقر له جفن ، بل إن النابغة
يصور جسامة القلق ، فالفعل يقشب يدل على شدة الألم ، والصورة تستميل قلوب
الزائرين الذين قد يأتون لمعاودته.

كل
هذا الجزع الخارجي الذي يمثل الألم نتيجة الأرق والجزع وعدم المقدرة على
النوم قلقاً ورهبة، إلا أن الصورة تكتمل من خلال هذا التصوير الواقعي ،
الذي أبدعه النابغة ، وكانت صورة رائعة قلما يأتي بها شاعر لا يحس بالإحساس
نفسه .

فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع (39) .
وقد
أعجب العرب بهذا البيت ، وقد أرجع البعض سر إعجابهم إلى " الحزن وهو موضوع
الصورة في الفن الذي تناوله النابغة . وهو صورة يعجب بها كل من يطلع عليها ؛
لأن إحساسنا بالليل شيء طبيعي ، ومن ثم يكون إدراكنا له ، وتصورنا لما قد
يتركه في نفوسنا ، فالليل يقبل على الأشياء جميعاً ، لكن قيمته ليست في ذلك
، بل في وجدانيته ، وترنمه بالتعبير عن واقع النفس"(40). فهذه التركيبة
البلاغية التي وظفها النابغة توظيفاً فنياً رائعاً لتعبر عن حالته النفسية،
وموقفه من الليل ورؤيته له في ظل هذا الملك– النعمان– فالليل لا بد أن
يشمل بظلاله كل الكائنات، فلا مهرب ولا مفر من لقائه، وإن طال الوقت وتغير
الزمان والمكان"فهل يستطيع شاعر أن يتخير لفظاً أبلغ من الليل على بساطته
في تصوير الحدث والواقع لا محالة، الحدث الذي من شأنه أن يبعث الرعب، وأن
يملأ القلب بالظلمة لغضب صاحبه عليه، أو لفظة المنتأى وما تؤديه من معنى
الفسحة التي قد تتاح للشاعر"(41). ويرجع الدكتور عزالدين إسماعيل الجمال في
هذا البيت إلى طبيعة العربي الذي لم يكن يحس بالامتداد"لأن الامتداد يفترض
طرفين كالخط المستقيم– ولم يكن في الصحراء ذلك الخط

المستقيم
الممتد، ولكن كان هناك الأفق الدائري دائماً. وكان الإنسان مركز هذه
الدائرة دائماً"(42)، وهو بذلك يبرر خوف النابغة من الليل، لأنه"يحس بسعة
الفضاء من حوله، ولكنه لا يجد مهرباً منه، لأن الدائرة من بعيد مغلقة،
والحدود قائمة. فحيثما سار كان الأفق من حوله، ومهما أطال السير فالليل
مدركه على نحو ما هو عليه"(43). وقد يحمل التشبيه عند النابغة أبعاداً
أسطورية من خلال الوصف وذلك في قوله :

فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبدو منهن كوكب (44) .
لم
يقصد النابغة بقوله هذا فضل الشمس على غيرها من الكواكب في الظهور والبهاء ،
بل جاوزه إلى جعل الممدوح مدار حركة الأفلاك – الرجال – في رحلته اليومية
من الشرق إلى الغرب(45) . وفي ذلك الإطار يبدي النابغة اعتذاره ويلح في
إبداء مثل هذه الأبعاد الأسطورية التي لا تليق إلا بملك ، فهو قد خبر حال
الملوك " ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من براعة الاسترضاء وفهم لعقلية
الملوك العتاة ، وكيف تكون المخاطبات في القصور ، ومع أن النابغة لم ينشأ
عليها في قبيلته ، ولا سمعها من أبناء قومه ، ولكنه تثقف بها في مخالطته
بطائن الأمراء ، فتعلم منهم كيف يخاطبون ويستعطفون ولاة الأمور ، ففقد
شيئاً غير قليل من فطرة البدوي وكبريائه " (46) .

ويوجه
النابغة خطابه الشعري إلى ذات الممدوح / النعمان ، مبرزاً صورة من البيئة
العربية المحيطة بالشاعر ، لأن بطبيعة الأمر على الرغم من اتصال النابغة
بالملوك والأمراء وأصحاب البلاط ، وتنعمه بالرغد والنعيم ن فإنه لم ينس
بطبيعة الحال البيئة التي نشأ فيها ، فيلتقط هذه الصورة البدوية المترسخة
في ضميره المتوارث ، لأن الشاعر يمتلك قوة حافظة هي التي توجهه إلى "
المخزون من الألفاظ والصور ، فينتقي منها ما يتوافق مع الغرض أو المعنى
الذي أقام عليه شعره ، ليجعلها على نحو من دقة الترتيب ودقة النظم " (47) .
يقول النابغة :

فلا تتركني بالوعيد كأنني إلى الناس مطلى به القار أجرب (48) .
وقد
شبه نفسه في مفارقته للممدوح بالبعير الأجرب ، الذي أفرد من قطيعه ، وتجنبه
الناس لما فيه من مرض عضال ، فإذا كان الجمل في الأصل وضع من أجل الرحلات
اليومية ، وأصبح حيواناً أليفاً محبوباً في موطنه ، ذا مكانة سامقة في
وجدان الشاعر ، فإن الشاعر يفقد مكانته كما فقدها هذا البعير الذي فقد
قدسيته ، وهو ما يجعل الممدوح في مكانة القوة الهائلة التي لا يستطيع أن
يقف في وجهها النابغة أو غيره ، والجرب هنا دليل على النفي والإبعاد .
ويوظف النابغة في سياق شعره التشبيه التمثيلي والذي يتيح له تحقيق مقومات
مذهبه الفني في قصائده ، وبخاصة " الحرص على التفاصيل ، والاهتمام
بالجزئيات، والعناية بوضع اللمسات الأخيرة، حتى لتبدو قطع كثيرة من شعره
لوحات فنية متكاملة الألوان والخطوط"(49)،ومن توظيف هذا النوع من التشبيه
قوله:

فما الفرات إذا جاشت غواربه ترمـي أواذيه العبرين بالزبــد
يمده كل واد متـرع لجـب فيه حطام مـن الينبوت والخضد
يظل من خوفه الملاح معتصماً بالخيزرانة بعـد الأين والنجــد
يوماً بأجود منـه سيب نافلة ولا يحول عطاء اليوم دون غد (50).
ويعلق
الدكتور يوسف خليف على هذه الأبيات بقوله :"لقد استطاع النابغةأن ينفذ من
وراء هذا التشبيه إلى رسم هذه اللوحة الفنية الرائعة بكل تفاصيلها
وجزئياتها ولمساتها الأخيرة، سجل فيها حركة النهر الصاخبة، وقد جاشت أمواجه
وعلت، وأخذت ترمي شاطئيه بالزبد الذي يرغو فوق ظهورها، والوديان المترعة
المزبدة تلقي بمائها فيه فيتدفق عنيفاً قوياً في لجب شديد، جارفاً معه ما
اقتلعته في انحدارها فوق سفوح الجبال من حطام النبات والشجر. لقد تكاملت
للوحة خطوطها وألوانها، وبدا النهر في عنفه وجبروته وثورته بما سجله الشاعر
الفنان عليها من تفاصيل وجزئيات .

ولكنه
لم يكتف بهذا كله، وإنما راح يضع على لوحته اللمسة الأخيرة التي تعطيها
شكلها النهائي، فسجل منظر الملاح الخائف المذعور الذي يعتصم طلباً للنجاة
بسكان سفينته ومجاديفها، باذلاً – من أجل ذلك – كل ما يملك من طاقة وجهد .
لقد شغل النابغة بلوحته شغلاً شديداً، وعني بها عناية بالغة، فلم يضع ريشته
من بين أنامله حتى تكامل لها كل ما يريد من خطوط وألوان ولمسات فنية"(51)،
فالنابغة الذبياني من خلال هذه اللوحة الفنية يميل إلى الصورة الكلية التي
تتكون من مجموعة من الصور الجزئية التي تتآزر فيما بينها لتعطي لوحة فنية
عظيمة تصور المشهد المرئي تصويراً فنياً رائعاً لا ينقله الشاعر وإنما
ينميه ويزكيه ويرسله إلى المتلقي عبر دروب الخيال.

ثانياً : الاستعارة :
الاستعارة
انتقال في الدلالة لأغراض محددة ، ولا يتم هذا الانتقال إلا إذا قام على
علاقة عقلية تربط بين الأطراف ن وتيسر عملية الانتقال من ظاهرة الاستعارة
إلى حقيقتها وأصلها ، ويقوم التعبير الاستعاري على التعمق الوجداني ، وتمتد
لغة الشاعر إلى كائنات الحياة من حوله ، فينهل من فيض خاطره ، ومشاهد
بيئته المحيطة ، ومن هنا تظهر فنية الشاعر واستخدام مثل هذا اللون البياني،
فالاستعارة توضح المعنى وتبين أكثر من العبارات الحرفية.

فالشاعر
يلتحم بالعالم الخارجي، ويحول نفسه إلى جزء منه ، يعاني مما يعانيه ،
وكانت الاستعارة إحدى غايات الشاعر، ففيها يمكن ما لا يمكن كشفه إلا عن
طريق التدبر والتبصر، وهذا يؤكد أن الإنسان من حاول في لحظة معينة من
إدراكه للجمال، وقبل استعداده للتفكير ، أن يعبر عما حوله بلغة الملموس
والمحسوس والعيني."والاستعارة عند البلاغيين القدماء تأتي في مرحلة ما بعد
التشبيه،وتحتاج إلى جهد فني في صياغتها أكثر مما يحتاج إليه التشبيه؛لأنها
عندهم المرحلة النهائية من مراحل التشبيه عندما تحذف كل عناصره ولا يبقى
منها إلا أحد الطرفين:المشبه أوالمشبه به"(52). فمن الاستعارات التي يضمنها
النابغة شعره ، تصديره للأبطال في ميدان القتال :

فهم يتساقون المنية بينهم .:. بأيديهم بيض رقاق المضارب(53).
إن
هؤلاء الفرسان يحتضنون الموت كأنه عزيز لديهم ، يقبلون عليه في جرأة
ويتساقون كؤوسه فرحين ناعمين ، كما يتساقى الشرب الكئوس في رغد ودعة من
العيش ، وتلك صورة لهذا المشهد وماله من دلالة في النفس البشرية ، ثم يأتي
بصورة أخرى لهؤلاء الفرسان وهم يضربون بمضاربهم الرقيقة فيطير عنها عظامها
الرقيقة ، يتفرق هنا وهناك ، وما أكثر مثل هذه المواقف التي كان يصورها
النابغة مشيداً بالأبطال وبقوتهم في قوالب فنية مثل الاستعارات التي جاءت
في قوله " يتساقون المنية ، المنية كأس يشرب منها " . وفي موقف آخر يعمد
النابغة إلى الاستعارة حيث يصور صاحبه مرة كالموت لأعدائه ، ومرة كالغيث
لأوليائه ، يقول :

تحـين بكفيه المنايا وتارة .:. تسحَّان سحَّاً من عطاء ونائل (54) .
فالمنية
يحين وقتها إذا حلّ فتاه يعدوه ، فأصبح غب حلوله ميتاً ، ولم يقف النابغة
عند هذه الاستعارة التي جعل يصور صاحبه فيها بالموت ، بل أخذ يستطرد في
الوصف فيقول : إذا هم بأمر دفعه إليه بشجاعته وقوته فكان منه الموت ، ويترك
للخيال صورة الموت هذه ، وما يحدثه من فناء ودمار وخراب ، ثم هو في
المقابل يعرض " لصورة أخرى يجمع أطرافها وعناصرها مما حوله ومن البيئة التي
يعيش فيها ، فهو يصب عطاءه صباً ، ويؤتي ثماره كل حين ، ويشمل بخيره جميع
مريديه مثل في ذلك كمثل المطر ، وينال منه الناس جميعاً على اختلافهم ،
فيغمرهم ويعمهم في غير توقف إذا ما احتاجوا إليه. مقابلة أحياها النابغة
بين الحياة والموت ، وبين العطاء والفناء ، تقوم على أساس الملاحظة الدقيقة
، والخبرة العميقة المستقاة من التجارب " (55) .

* الكناية :
الكناية
مظهر من مظاهر البلاغة ، وغاية لا يصل إليها إلا من لطف طبعه ،وصفت
قريحته، والسر في بلاغتها أنها في صور كثيرة تعطي الحقيقة مصحوبة بدليلها،
والقضية وفي طيها برهانها ، وتبرز المعاني واضحة جلية ، وهذه خاصة الفنون ،
فإن المصور إذا صوره للأمل أو اليأس بهرنا ، وجعلنا نرى ما كنا نعجز عن
التعبير عنه واضحاً ملموساً ، وهي دليل مقدرة الشاعر وأصالته الفنية (56) .
يقول النابغة :

كليني لهـمٍ يا أميمة ناصـب وليل أقاسيـه بطيء الكواكـب
تطاول حتى قلت : ليس بمنقضٍ وليـس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدر أراح الليل عـازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب(57)
فهذا
الوصف – الذي يمكن وصفه بالطول – ليل تضمن عدداً كبيراً من الصور – في
ثلاثة أبيات فحسب – لبيان أثر هذا الليل وبيان علاقة النابغة به ، فأول هذه
الصور قوله " بطيء الكواكب " وهي كناية تدل على إحساس الشاعر بهذا الليل ،
فهو بطيء ، حتى كأن نجومه وكواكبه تسير ببطء متعمد ومعنى ذلك أن زمن هذا
الليل – في نظر الشاعر – طويل أكثر من المعتاد ، وهو ليل مقيم ، ليس بمنقضٍ
، أي ليس له نهاية ، وهذا معناه أن النهار غائب في العلاقة وليس لديه فرصة
للحضور . أما قوله " وليس الذي يرعى النجوم بآيب " ، فالعبارة تتضمن
تشبيهاً ضمنياً بموجبه يصبح الشاعر نفسه هذا الراعي الذي يظهر في مراقبة
هذه النجوم . ويؤول ذلك إلى كناية تناسب الهم الناصب ، والليل ذا النجوم
البطيئة ، بموجبها يدل البيت على استمرار سهر هذا الراعي – الشاعر – وتكرره
، ويختم الشاعر هذا المشهد يجعل الليل نفسه راعياً يعود بالهموم على صدره
ومن ثم مع تكرر العودة تتضاعف الأحزان في هذا الصدر المرهق ، كل هذه الصور
الفنية التي شكلها النابغة في سياق نصه الشعري ، تعبر عن " مشاعر وانفعالات
حقيقية محددة ماثلة في نفس الشاعر حين قال هذه القصيدة ، فقد بدأ مطلعها
بأن صب فيه هذا الحشد الهائل العميق من مشاعر الحزن الذي تفيض به نفسه "
(58) .

·خاتمة :
وبعد
أن تجولنا في دروب شعر الاعتذاريات عند النابغة وما توصل إليه البحث من أن
النابغة على الرغم من مخالطته للملوك والأمراء فإنه ظل وفياً على طول
الطريق لقومه ، ومدافعاً عنهم . وربما كان السبب الرئيس وراء حدوث الشقاق
بين النابغة والنعمان هو لجوء النابغة إلى الغساسنة طلباً للنجدة ، مدافعاً
عن قومه ونسائه اللاتي وقعن في الأسر ، مما أغضب النعمان لاستعانة النابغة
بأعدائه . كما تناول البحث العديد من المفردات التي تكررت وبوضوح في سياق
نصه الشعري من خلال إبراز العديد من الدلالات ومنها القول والإخبار
بالأفعال " قال ، يقول – أتاك – أخبرك " والوعد والوعيد ، والإبلاغ
والتبليغ . كما أن نص الاعتذاريات عند النابغة يفيد بالعديد من البنى
الدلالية للكلمة الشعرية من خلال الاشتقاق الذي يعمل على إيجاد نوع من
الحركة الدائبة في سياق النص الشعري والتضاد والترادف . والنص الشعري عند
النابغة يحمل صورة فنية تتكون من مجموعة من الجزئيات كالتشبيه والاستعارة
والكناية ، والتي تتآزر فيما بينها وتتكاثف لتكون لوحة متكاملة . أي أن
النابغة كان يستعين في اعتذارياته بالصورة الكلية التي تتكون من مجموعة من
الصور الجزئية والتي تستعين بمجموعة من مفردات البيئة المحيطة التي تشكل
الإطار الفني لهذه الصورة . •••



الاعتذاريات للنابغة الذبياني  102830



الموضوع منقول




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://djalisse.1fr1.net
 
الاعتذاريات للنابغة الذبياني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجليس التربوي :: ۩۞۩ حدائق النفوس ۩۞۩ :: الفصاحة والشعر والحكمة-
انتقل الى: