وائل جمال طاقم الاشراف
عدد المساهمات : 137 تاريخ التسجيل : 09/04/2013
| موضوع: المعلم التقليدي وتحديات العولمة الجمعة 3 مايو 2013 - 14:45 | |
| المعلم التقليدي وتحديات العولمة سنوات قليلة مضت عندما كنا نندهش من التطور المتلاحق في العالم من حولنا، فنقول بكل دهشة إن العلم يتطور كل يوم، ولا أكون مبالغا إذا قلت بأننا الآن – في نهايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين – نشعر بتطور العالم من حولنا كل دقيقة بل كل ثانية، وتلاحقنا الأخبار في كل لحظة بتطور جديد في عالم التقنية والمعلومات والتكنولوجيا الحديثة. هذا التطور حولنا يفرض علينا تساؤلا ملحا هو: ما موقفنا نحن– المعلمين – من هذا التطور المتلاحق؟ وما مدى الاستجابة لهذه التطورات؟ وكيفية تفعيلها في مجتمعنا العربي؟ فهل نقف أمام هذه التغيرات العالمية والتطورات المتلاحقة موقف المشاهد الناقم مكتوفي الأيدي؟ أم نقف موقف المتفاعل مع الأحداث والمواكب للتغيرات والمساير لكل نافع جديد، وتأتي أهمية البحث في هذه القضية الملحة التي يطرحها، والتي يحاول أن يضع لها حلا، حتى لا نجد أنفسنا في هوة سحيقة نسبح في ظلمات الجهل، بينما يتطور العالم من حولنا ويتقدم وينمو باستمرار، والحقيقة أن المعلم الذي يقبل مثل هذا التأخر والتدني لا مكان له في مجتمعنا الآن لأنه يقضي على أجيال متلاحقة تخرج من تحت يديه وتتصف بصفاته التقليدية تتشبع بأسلوبه النمطي التقليدي, بخاصة إذا كان لا يحاول أن يغير من نفسه، وهكذا تستمر العملية فنجد أنفسنا أمام مشكلة كبيرة لا حل لها، وهذا ما جعلني أطرح تلك القضية في محاولة لعرض المشكلة والوقوف على كيفية حلها، حيث إنه لا مكان في العصر الذي نعيش فيه للقدرات العادية، سواء لدى الأفراد أم لدى الأمم، فالسوق التنافسية قائمة على الجودة والتميّز في اكتساب المعرفة وإنتاجها وبالتالي فإن التعليم في ظل العولمة يصبح تعليماً للتميّز وللجميع ولاسيما إذا توافرت فيه معايير الجودة وخصائصها. وتتحقق الجودة العلمية والتعليمية من خلال ترسيخ مهارات التفكير الناقد بين الطلاب وبث روح البحث فيهم، والعمل بروح الفريق الواحد لا الفرد الواحد، هذا بالإضافة إلى توفير أحدث الوسائل التعليمية من جانب الإدارة المدرسية والتدريب والتطوير المستمر من جانب المعلمين، والسعي إلى تطوير الذات والتفاعل مع المتغيرات. كما ينبغي أن ندرك أن رسالة المعلم أصبحت اليوم – أكثر من أي وقت مضى – ذات أبعاد حضارية مصيرية شاملة، وبالتالي فإن إعادة النظر في الأدوار الحضارية للمعلم أمست من الواجبات الكبرى للقيادات التعليمية والتربوية والاجتماعية والسياسية بصورة عامة. ولما كان الأمر بهذه الصورة من التعقيد، ولما كان للعولمة والمعلوماتية من أبعاد حضارية وكونية تتطلب إعادة النظر في فلسفة التعليم ومراجعتها بصورة نعيد فيها تأكيد الأصالة الذاتية لأمتنا وثقافتنا، كما نستوعب فيها المنجزات الضخمة في مناهج وأساليب وتقنيات التعليم والتربية والاتصال والإدارة والتوجيه الحديثة، فقد أصبح من الضروري أن يتطور المعلم ويدرك دوره في هذه المنظومة الجديدة، فالمعلم التقليدي والنمطي – الذي مازال على صورته القديمة والتي لم تتغير منذ منتصف القرن العشرين – يجد نفسه بين أمرين: إما أن يتجدد ليواكب كل جديد وإما أن يتبدد ويتلاشى في ظل العولمة وآثارها المتلاحقة . ولابد من أن نضع في الحسبان أمرًا مهمًا هو أن المشروع الحداثي الغربي في عصر العولمة يقوم على أساس العقلانية في اتخاذ القرار والاعتماد على العلم والتكنولوجيا لإشباع حاجات الإنسانية، وهذه أمور لا يمكن جحدها، ولكن علينا أن نتعامل بحذر مع تلك التغيرات وبخاصة أننا مجتمع إسلامي له قيمه وتقاليده الثابتة والتي تجعلنا نتعامل مع تلك المتغيرات المتلاحقة بحس الناقد الثاقب الذي يعرف ماذا يريد وماذا يرفض. وسوف يقوم هذا البحث- إن شاء الله – على عدة محاور أساسية يعرض فيها المشكلة ويحاول أن يضع لها حلولا .
- المحور الأول : يقوم على تعريف العولمة وكيف أنها نوع من اندماج الثقافات، وكيف أنه من الضروري التعامل معها بحذر. - المحور الثاني: يناقش صورة المعلم التقليدي النمطي الذي يرفض التغيير ويعادي كل جديد، المعلم الذي يعتبر أن وظيفته الأساسية نقل المعلومات وحشوها في أذهان الطلاب من خلال أساليب تلقينية قمعية وتسلطية، ثم نطرح لرؤية جديدة للمعلم في ظل العولمة، فلم يعد هناك مكان للمعلم الكلاسيكي التقليدي، أصبح عليه أن يفسح المجال للمعلم المتجدد الذي يسعى وراء تطوير ذاته، مستخدماً أساليب متعددة وأسلحة غير تقليدية. - المحور الثالث: أتحدث فيه عن المناهج التربوية العربية وكيف أنها مناهج كلاسيكية وتقليدية تحتاج إلى رؤية مستقبلية تتماس مع الواقع المعاصر وما فيه من تطورات. - المحور الرابع: نتحدث فيه عن المدرسة العصرية وصفاتها وما ينبغي أن تكون عليه، ثم تأتي الخاتمة وهي حصاد الدراسة وتشتمل على توصيات البحث وأهم ما النتائج . وأخيرا أود أن أسجل إعجابي بهذا الموضوع الحيوي والملح والذي يحتاج إلى البحث والتركيز . العولمة وماذا نحتاج منها؟ العولمة لغة تعني الإشارةُ إلى إسباغ صفة العالميَّة على موضوعٍ ما هو موضوع فعل العولمة، وبهذا المعنى تماماً قدَّمتها موسوعة الإدارة والأَعمال على أَنَّها “عمليَّة زيادة الالتحام في الحضارة العالميَّة�. فهي نوع من اندماج الثقافات، بل صراع للثقافات تكون فيه الغلبة للأقوى حيث يتم الترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هي ثقافة القوة المهيمنة على العالم ومن مساوئها أنها نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى ويدفع إلى التفتيت والتشتيت ليربط الناس بثقافة واحدة هي ثقافة الدولة المهيمنة. ويرى البعض ”أن العولمة تعني جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدود إلى اللامحدود، الذي ينأى عن كل مراقبة، والمحدود هو الدولة القومية التي تتميز بحدود جغرافية وبمراقبه صارمة، أما اللامحدود فالمقصود به العالم أي الكرة الأرضية”. فالعولمة وإن كانت تعمل على توحيد العالم حضاريًّا بفعل التِّقنيَّات الجديدة، فلا يعني ذلك أنَّها ستوحِّد العالم ثقافيًّا أو أنَّها ستقضي على الخصوصيَّات الثَّقافيَّة. فمادام المرء يفكِّر ويتكلَّم أو يرمز ويتخيَّل، فهو يتفرَّد عبر أعماله الإبداعيَّة وابتكاراته الأصيلة بهذا المعنى لن تصبح الثَّقافة واحدةً حتَّى داخل الولايات المتَّحدة التي تتصدَّر قوى العولمة، بل سيبقى المجال مفتوحاً أمام التَّباين الدَّلالي والتَّنوع البشري، وما يهمنا نحن هو ماذا نريد من العولمة؟ لابد من أن نقر بداية أن كل علم به سلبيات وإيجابيات، وهذا ما يجعلنا نتعامل بحذر مع العولمة، نأخذ منها ما ينفعنا ونترك ما لم يتناسب مع قيمنا الإسلامية، فالتطور المذهل في التكنولوجيا المعاصرة في عصر العولمة هو الهدف الذي نرمي إليه، أما الهيمنة الثقافية وانحلال القيم فهو أمر مرفوض، فقد انساق الناس وراء التطورات الحديثة والتكنولوجيا انسياق الأعمى، الذي لا يرى موضع قدميه، والأمر يحتاج إلى تفنيد وتنقيح وروية في رؤية الأمور ولابد من أن يكون شعارنا ”الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها” من هنا كان علينا أن نتعامل مع العولمة كمعطى حقيقي ونتاج تاريخي لتطور الإنسان. لذلك، فإن الأمة العربية والإسلامية مدعوة “لإعادة النظر في مسلماتها الثقافية والتربوية والأخلاقية، انطلاقاً من الحقائق الراهنة للعالم، لا بقصد التكيف معها فحسب، وإنما أيضاً بقصد المشاركة في إنتاجها، حتى تكون أكثر تعبيراً عما نريد أن نكون علية من ناحية، وحتى لا نتعرض من ناحية أخرى لعملية سلب شاملة ناجمة عن انفراد الآخرين بصياغة العالم الراهن على قدر مصالحه وتصوراته التي ليس من الضروري أن تكون مطابقة لتصوراتنا ومصالحنا”. وتؤثر الثورة المعلوماتية بشكل مباشر على التعليم، فالانفجار المعرفي المتمثل في الزيادة الكمية والنوعية في المعرفة وفروعها يحتم على المؤسسات التعليمية أن تعيد النظر في أسس اختيار وتخطيط وبناء المناهج والمحتوى الدراسي، وأساليب التعامل مع المعرفة، كما أن الوسائل التكنولوجية المتعددة ستمكن من إنتاج المنهج الدراسي الجماعي، لهذا كان لزاما على كل مجتمع يريد اللحاق بالعصر المعلوماتي أن ينشئ الأجيال على تعلم الحاسوب والتعامل مع تقنياته، ويؤهلهم لمجابهة المتغيرات المتسارعة في هذا العصر، وقد قامت بعض الدول بوضع خطط استراتيجيه تعمل على جعل الحاسوب وشبكة الإنترنت عنصران أساسيان في المنهج التعليمي، كما طبقت كثير من المدارس الأهلية والحكومية هذا النظام. المعلم التقليدي بين النمطية والمعاصرة أقصد بالمعلم التقليدي هنا ذلك المعلم الذي فقد السيطرة على المحتوى الذي يُدرِّسه، وأخذ يتحول عن الرسالة التربوية التثقيفية إلى مجال إدارة العملية التعليمية النمطي، وقبل بأوصاف مثل الملقن والمنسق والمحفظ، وغيرها من الأدوار التقليدية والنمطية والتي يسير على نهجها دون تدبر أو نقد، فاقتصر دوره على أداءات محددة له سلفاً، وبالتالي فقد حريته وقدرته على رؤية العالم من حوله، والنظر فيما يقوم به من أعمال وفي تدبر نتائجها. لم يعد التعليم اليوم مجرد أداة بسيطة لنقل المعلومات إلى الآخرين، ولا مجرد نظام يتم بموجبه تأهيل أفراد ليحصلوا على شهادات ومعلومات تمكنهم من شغل مناصب وممارسة أدوار معينة داخل المجتمع، وليس كذلك مجرد عمل يقوم به نظام تعليمي يحتوي على إدارات وأساتذة وطلبة ومناهج ومعارف وكتب ووسائل ومناخ تعليمي مناسب من أجل تخريج مهنيين أو مهندسين أو أطباء أو أساتذة وغيرهم، ولكن التعليم اليوم بالإضافة إلى كل ما سبق أصبح قرين عصر المعلوماتية والعولمة، إذ بدونه يفقد المجتمع دوره ورسالته، “فالتعليم في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا بمثابة القوة الضاربة التي بها تتجسد وتتأكد باستمرار القوة العسكرية والتقنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والحضارية والتكنولوجية والمعلوماتية لهذه الدول. وعليه أصبح للتعليم ومؤسساته الدنيا والوسيطة ” وبحكم طبيعة العصر والمرحلة التاريخية التي تجتازها المجتمعات الإنسانية، وبحكم غلبة منطق العولمة والمعلوماتية فإن التعليم أصبح يتأثر كثيرا بما يحدث في عالم السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والصراعات بين الأمم والمجتمعات، ومن هنا فمسألة إعادة النظر في دور المعلم وموضوع فلسفة التعليم أصبح من المهام الكبرى التي ينبغي أن يضطلع بها أبناء المجتمعات على اختلاف ثقافاتهم وأديانهم. ولكن إعادة المراجعة لمفاهيم التعليم ولدور المعلم ولفلسفة التعليم ليست عملا اعتباطيا ارتجاليا عابرا، ولكن وفي الأساس ينبغي أن يكون نوعا من النضج والتطور الطبيعي لوعي المجتمع ولمؤسساته التربوية والتعليمية؛ بحيث تبرز داخل المجتمع، وفي هرم خبرته، وفي سقف وعيه الحاجة الملحة لإجراء التغيير المطلوب. رؤية جديدة للمعلم المعاصر لم يبالغ شوقي حينما قال “كاد المعلم أن يكون رسولاً”؛ لإدراكه التام لحقيقة الرسالة الإنسانية المقدسة الملقاة على عاتقه والمكانة الاجتماعية التي حظي بها كمصلح ومرشد ومؤتمن على فلذات الأكباد. إن نجاح هذه الرسالة مرهون بقدرة المعلم على غرس التربية الأخلاقية والثقافية والعلمية في نفوس الناشئة، وتنمية أطرهم المعرفية والمهارية، الأمر الذي ينعكس أثره بشكل مباشر على المجتمع وعلى مكوناته المختلفة وصولاً لتطوره ولحاقه بركب الحضارة الإنسانية التي تعيش اليوم حالة المعقول واللامعقول معاً، الممكن وغير الممكن، المتمثلة في العولمة ونتاجاتها المعرفية والتكنولوجية، التي وضعت المعلم على مفترق طرق، فإما أن يكون معلماً منطوياً على نفسه متحوصلاً في شرنقة الماضي الكلاسيكي التقليدي، معتبراً أن وظيفته الأساسية نقل المعلومات وحشوها في أذهان الطلاب من خلال أساليب تلقينية قمعية وتسلطية، وهو مصدر المعرفة الوحيد، والطالب في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية، نافياً بذلك دور الجدلية والحوار والندية في تنمية الشخصية وتعزيز استقلالها؛ وإما معلماً متجدداً ساعياً وراء تطوير ذاته، مستخدماً أساليب متعددة وأسلحة غير تقليدية من أجل رفع قدرات المتعلمين واستثارة دافعيتهم نحو القيادة في المجالات كافة، منطلقاً معهم لفضاء الحرية والبحث العلمي، مسايراً لعصر تنفجر فيه المعرفة العلمية والتكنولوجية، وهذا ما تنشده التربية الحديثة، معلماً ذا بصيرة نافذة قادرة على التفاعل مع معطيات عصر العولمة والثورة المعلوماتية، خلافاً للتربية التقليدية التي ساهمت في إنتاج جيل يشبه بنوك المعلومات المتنقلة. ولكن السؤال هو ما مدى تطبيق هذه المعلومات في الحياة اليومية والعملية؟ وما قدرتها على حل ما يعترض حياته من مشكلات في ظل هذا العالم الديناميكي سريع التطور؟ من هنا تدعو الحاجة إلى إعادة النظر في البنى المعرفية والهياكل التربوية، لاسيما المعلم، لزيادة وعيه الثقافي واستعادة دوره الريادي في المجتمع، إضافة إلى قدرته على توظيف تقنيات عصر العولمة في حياته اليومية والعملية، وإعداده لعالم لم يعد كما كان من أجل إنتاج جيل مبدع مبتكر للمعرفة العلمية يحقق نقلة حضارية نوعية. وفي رأيي أن النهضة التعليمية ومواكبة التطورات الحديثة لن تحقق ما تسعى إليه من إنتاج جيل مبدع مبتكر قادر على مسايرة التطورات الحديثة إلا من خلال عدة محاور منها: أولاً : تطوير أداء المعلم : كان لابد من أن يتحول المعلم المواكب للتغيرات الحديثة إلى مثقف يناصر التغيير وخبير فني مهمته إصلاح سلوك الطلاب وتعديله. كما أصبحت مهمة المعلم دفع الطلاب إلى إثارة التساؤلات حول المعرفة وليس مجرد اكتسابها، وتشجيعهم على تكوين معرفة جديدة من حولهم. فالمعلم الناجح هو المعلم الفاعل الذي تتحدد فعاليته بمستوى أدائه في مختلف المواقف التي يتطلبها عمله، وهو القادر على فرز البدائل واختيار ما يجعل تدريسه ناجحاً، فالعملية التعليمية هنا تركز على المهارات بدل المحتوى، حيث أصبح الطالب يتحمل جزءاً لا بأس به من مسؤولية التعلم، كما أن المعلم – كناقل لمحتوى التعلم- عليه أن يستغل الحديث من التكنولوجيا ليعلم التلاميذ كيف يتعلمون،فالنظرة الحديثة من العولمة للمعلم ترى أن دور المعلم ليس نقل المعرفة فحسب، وإنما تعليم الطلاب نقد المعرفة، والتشجيع على تفسيرها، وإقامة حوار مع أعلامها من أجل التوصل إلى نقاط تفيد الإنسانية عامة، ومعنى هذا أن التدبر والتفكير والتأويل هي المفاتيح الأساسية لدور المعلم في عصر العولمة، فالصورة التي يطرحها الفكر التربوي للمعلم هي صورة المعلم المتدبر التي تستمد ملامحها من المدرسة النقدية، والقادرة على إعادة قراءة الواقع من حوله، وتقديم رؤية نقدية جديدة لمشكلاته وقضاياه المتغيرة، ولن يكون المعلم كذلك إلا من خلال : - الإعداد الجيد والمستمر للمعلمين من أجل التفاعل مع التكنولوجيا وتقنياتها واستغلالهم لكم المعلومات الهائل المتدفق إليهم عبر الإنترنت والفضائيات لرفع مستوى العملية التربوية. - عقد ورش عمل مكثفة للمعلمين تمكنهم من استخدام الحاسوب وتوظيفه في العملية التربوية. - إدخال العولمة ومضامينها في المناهج التعليمية كي لا يعيش المعلم والطالب في حالة انفصام عن الواقع. - استقطاب الفئات المميزة من المعلمين للعمل في ميدان التعليم، وتشجيعهم على الإبداع والابتكار. - العمل على إيجاد قانون يحمي المعلمين ويصون كرامتهم، ويفرض احترامه على الطلبة، ويستعيد من خلاله دوره الريادي في المجتمع. - مؤازرة المعلمين ورفع مستواهم المعيشي. ثانيا : المناهج التعليمية ومواكبة التغيرات: أعتقد أنه لا أحد يخالفني الرأي في كون المناهج التربوية العربية هي مناهج كلاسيكية وتقليدية على الرغم من كل عمليات الإصلاح والتجديد الآني غير المعتمدة على رؤى مستقبلية، ومن هنا تنحو مناهجنا التعليمية إلى العودة للماضي بصورته التي لا تتماشى مع احتياجات الفرد والمجتمع والتحديات الحالية وامتداداتها المستقبلية، فالمنهج الدراسي الناضج هو الذي يأخذ بعين الاعتبار كل ما يستجد في المجتمع من مواقف ومشكلات وحاجات وأدوات جديدة ينقلها إلى الطلاب في قالب علمي جذاب، وحتى يبقى المنهج متطورا أو قابلا للتطور لا بد وأن يكون مرنا يسهل تكييفه وتعديله كلما دعت الحاجة ، كما أن على المنهج الدراسي ليكون ناجحا أن يعمل على : - تكوين العقلية المتفتحة التي تؤمن بأهمية التطوير وحتميته ولا تتمسك بالقديم لمجرد أنها ألفته وتعودت عليه. - إعداد القيادات الذكية الواعية لإمداد المجتمع بها في شتى مجالات الحياة وميادينها. - تزويد الطلاب بالمهارات الأساسية التي تمكنهم من العيش في مجتمع ناهض متغير، وتساعدهم على سرعة التكيف والتوافق مع المجتمع وثقافاته المتعددة، ولعل هذا ما اتجهت إليه بعض المدارس الأهلية ومنهم مدارس قرطبة عندما شرعت في تدريس مادة المهارات الحياتية، ولكن المعول الأساس هو المنهج المقرر وكيفية توظيفه ومدى الاستفادة منه لإيجاد جيل قادر على التفاعل مع التطورات الحديثة. - ” العمل على تكوين أوجه التقدير الملائمة للطلاب، كتقدير أهمية العلم وجهود العلماء باعتبارها من أبرز عوامل التغيير في المجتمعات، وتقدير أهمية التمسك بالقيم الدينية والقيم الاجتماعية السامية”. - بناء مناهج تربوية اعتماداً على حاجات الطلاب ورغباتهم، وتراعي خصائص نموهم الجسمي والعاطفي والعقلي، وتتفق مع ميولهم واتجاهاتهم، وليست رغبات المستشارين والمختصين. - بناء مناهج تربوية يشارك فيها المعلمون وأولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات، وجمعيات، وهيئات علمية متخصصة، مناهج تحاول ربط المواد النظرية بالتطبيقية العملية في الحياة، جاعلةً من البيئة المادية والاجتماعية مصدراً للتعلم. - بناء مناهج تراعي الفروق الفردية، تنطلق من حاجات المتعلم وقدراته، وتنظر إليه باعتباره عقلاً وجسداً وروحاً بحاجة إلى الرعاية والتطوير. - بناء مناهج توفر مساحة من الحرية للمعلم لاستخدام الأساليب والوسائل التعليمية والأنشطة، وتبتعد عن التلقين، ليتمكن من تحقيق الأهداف التربوية المبتغاة. - بناء مناهج تأخذ من العمل المشترك مبدأ في العمل، وتستوعب التغيرات الثقافية داخل المجتمع في الوقت الذي أصبح الانفتاح على الآخرين أمرًا حتميًا في ظل تطور وسائل المواصلات والاتصالات. - بناء مناهج تربوية تبنى على سياسة تعزيز الوحدة الوطنية والهوية الإسلامية والانتماء الحقيقي لقضايا الأمة. - تقويم دوري للمناهج التعليمية لمعرفة مدى مواكبتها لروح العصر. ثالثا : طرق وأساليب التدريس الحديثة : لابد من أن تتغير طرق وأساليب التدريس لتتواكب مع متغيرات العصر الحديث، فالطرق التقليدية القديمة التي تقوم على الرتابة والتلقين، أصبحت غير مناسبة ولذلك لابد من : - استخدم طرق تدريسية فاعلة تساعد الطلاب من خلالها على تفجير الطاقات الإبداعية والابتكارية باستخدام طرق وأساليب متنوعة كأسلوب حل المشكلات، وأساليب الاستشارة الفكرية والسيناريوهات والمحاكاة والخيال العلمي، والربط بين المعارف العامة والمهارات الفنية، والمزاوجة بين الخبرات الشخصية والعلمية والأكاديمية. - استخدام طرق وأساليب تعليمية وتدريسية تختلف عن الأساليب والطرق الشائعة الآن، فمع تطور المستقبل وتزايد سرعات عجلاته، فمن المؤكد أن الفكر التربوي والفكر التكنولوجي والتقني لن ينضب، وسيواصل إسهاماته وتقديم إنجازاته في مجال أساليب وطرق التعليم والتدريس. - استخدام وسائل تساعد الطلاب على إتقان أكثر من طريقة للتعلم كالتعلم التعاوني، والتعلم الاستكشافي والابتكاري، وتتيح للطلاب كذلك القدرة على المبادرات الذاتية للمشاركة الإنتاجية، وهذه الأنواع من التعلم تبرز قدرة المتعلم على المشاركة والنشاط، وتقلل من دور المعلم في التلقين وتوصيل المعرفة، وتكتفي بدوره التوجيهي والإشرافي. - أن يتوافر في محتوى المنهج قواعد مشتركة بين الدول العربية تسهم في وحدة الفكر والمعرفة لدى المواطن العربي ولا مانع من أن يسمح في الوقت نفسه بالمرونة اللازمة – إن اقتضى الأمر – بإبراز خصوصية كل بلد. - أن يكون لمقررات اللغة العربية مكانة خاصة في محتوى المنهج للارتقاء بمستوى تعليمها، وإكساب الطلاب مهاراتها بوصفها اللغة الأم والأداة الهامة للتواصل الاجتماعي والثقافي والتاريخي بين الشعوب العربية. - استخدام التقنيات الحديثة والتكنولوجيا المعاصرة كالإنترنت والمناهج الالكترونية الحديثة. - الاطلاع على أحدث طرق التدريس المستخدمة الآن، وذلك من خلال الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال. رابعا : المدرسة النموذجية: وهي المدخل الأساسي لتطوير التعليم إذا ما أردنا أن نصمد في مواجهة عصر العولمة وما بعد الحداثة، فالمدرسة النموذجية هي التي تطبق المناهج العصرية المتطورة التي تتفاعل مع متطلبات العصر بلغته وأدواته وأيضا لا تغفل هذه المناهج احتياجات مجتمعنا وقيمه من خلال استخدام كل الوسائل و الأدوات التكنولوجية العصرية الحديثة، ومن أهداف المدرسة النموذجية العصرية: - تحقيق مستوى تعليمي متميز في اللغات والعلوم والرياضيات وعلوم البيئة والحاسوب بمفردات تتعامل مع عصر العولمة والمنافسة وسوف تشكل إضافة حقيقية لتطور المجتمع نحو الافضل. - أنها لا تضع أمامها خيارا سوى السعي في طريق الجدية والتفوق0 ولما كان التفوق يرتبط في الأساس بوسائل وأدوات عصرية لذا لابد من تشييد المدرسة العصرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني التطور، وسوف يكون أمام العملية التربوية تحد قوى عليها مواجهته بالفكر والاجتهاد والمبادرة، ولن يتحقق ذلك إلا بتوظيف التكنولوجيا كوسيلة للتقدم0 - تهدف هذه المدرسة إلى جذب اهتمامات الطلاب وتحقيق تفاعلهم مع زيادة دافعيتهم للتعلم بما يفعّل عملية التعلم ويرفع من قيمتها0 كما تقوم هذه المدرسة بإتاحة الفرصة لمن يواجهون صعوبات في التعلم وتنقصهم الدافعية والثقة في النفس للتقدم في التحصيل من خلال ما تقدمه لهم من مصادر الجذب والتشويق0 - تهدف هذه المدرسة إلى تهيئة الفرصة أمام الطلاب الموهوبين لتنمية وصقل مواهبهم وقدراتهم العلمية والأدبية والثقافية والفنية،وتمكن الموهوبين من الانطلاق بقدراتهم في إطار نظم وبرامج تستثمر إمكانياتهم المتميزة وترعاهم لكي يكونوا مبتكرين ومبدعين0وكل ما سبق سوف يسهم بلا شك في تحقيق أهداف التعليم في المجتمع0والمدرسة النموذجية لابد أن تغير من نظام التعليم التقليدي وتتجه إلى نظام التعليم الإلكتروني. - التعليم الإلكتروني: هو شكل من أشكال التعليم عن بعد ويمكن تعريفة بأنه طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة، ورسومات، وآليات بحث، ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت سواءً أكان عن بعد أو في الفصل الدراسي المهم المقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة . فوائد التعليم الإلكتروني : - زيادة إمكانية الاتصال بين الطلبة فيما بينهم، وبين الطلبة والمدرسة، وذلك من خلال سهولة الاتصال ما بين هذه الأطراف في عدة اتجاهات مثل مجالس النقاش، البريد الإلكتروني، غرف الحوار, وهذا يعد حافزا للطلاب علي المشاركة والتفاعل مع المواضيع المطروحة. - المساهمة في وجهات النظر المختلفة للطلاب. - سهولة الوصول إلى المعلم : فأتاح التعليم الإلكتروني سهولة كبيرة في الحصول علي المعلم والوصول إليه في أسر ع وقت. - الإحساس بالمساواة : هذا النوع من التعليم يكون له فائدة كبيرة بالنسبة للطلاب الذين يشعرون بالخوف والقلق أو الخجل عند المناقشة, فهذا الأسلوب في التعليم يجعل الطلاب يتمتعون بجرأة اكبر في التعبير عن أفكارهم والبحث عن الحقائق. - القدرة علي تلبية الاحتياجات الاجتماعية, والوظيفية, والمهنية للملتحقين بالتعليم الإلكتروني لما يتمتع به من مرونة وحداثة. - ارتباط التعليم الالكتروني بحاجات الأفراد التطبيقية, والمهنية, والشخصية, والاجتماعية. - ملائمة مختلف أساليب التعليم. - إمكانية تحوير طريقة التدريس فمن الممكن تلقي المادة العلمية بالطريقة التي تناسب الطالب سوء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة. - توفير المناهج طوال اليوم وفي كل أيام الأسبوع. - نذهب إلي المدرسة, أما في عصر الثورة المعرفية فان المدرسة سوف تأتي إلينا في بيوتنا. فالتعليم الالكتروني يعتبر مظهرًا من مظاهر التقدم التكنولوجي، ففي عصر الثورة الصناعية كان علينا أن تختلف طرائق التدريس المتبعة في نظم التعليم الالكتروني عن الطرائق المتبعة في نظام التعليم التقليدي : فطرائق التدريس الالكتروني تتمحور حول الطالب وليس المعلم كما في نظام التعليم التقليدي وقوامها الكتاب المبرمج, و شبكات الإنترنت. هذه الاختلافات في النظامين التعليميين أدت إلي وجود اختلاف في دور المعلم إذ أصبح دوره ثانويا يتجلى في قدرته علي تخطيط العملية التعليمية وفي مساعدة الطالب على استخدام المواد المطبوعة أو المبرمجة والوسائل التقنية وغير التقنية المختلفة. الخاتمة بعد هذا العرض البسيط لقضية العولمة وأثرها على المعلم، أرى أن عصرنا الحالي حافل بالمتناقضات، ومن ثم فهو يحتاج إلى تربية غير التربية التقليدية التي ما زلنا نعاني منها حتى الآن، فالبحوث التربوية في الدول المتقدمة مادياً أصبحت موجهة نحو استثمار الذكاء البشري وحسن توجيهه وفق نظام تربوي فائق التنظيم. ولذلك نلحظ تنافسًا محمومًا في هذا المضمار بين الدول المتقدمة، أما الدول النامية فلا تشارك في صنع هذا التقدم ولا توجهه، بل تستقبل ما ينتجه الآخرون حتى لو كان ضاراً بها. ولهذا فإن تغيير أوضاع هذه الدول من المستقبِل إلى المشارك يحتاج إلى انتهاج تربية تعبر مسافات التخلف الذي يعتريها، تربية تستنفر طاقاتها البشرية وتستثمر قدراتها المادية إلى أقصى ما يكون الاستنفار وأقصى ما يكون الاستثمار. وتربية هذا شأنها ـ في عالمنا الإسلامي ـ لابد من أن تكون تربية أصيلة، تنبع جذورها من عقيدة الإسلام وتنمو وتزدهر من خلال التطبيق العلمي الميداني، تربية لا تنقل من الغير، ولكنها تأخذ كل مناسب من تجارب الأمم والأفراد أياً كان انتماؤهم. وتربية كهذه لا تؤتي ثمارها دون معلم قادر على استنهاض قدرات المتعلمين ومساعدتهم على الانطلاق نحو السبق في عصر العولمة.إن من أهم عوامل تحقيق ما سبق، الوقوف على التحديات التي تواجه تربية المعلم سواء في أثناء اختياره أو تكوينه في فترة الإعداد أو تنميته بالتدريب في أثناء الخدمة، ولذلك أرى أنه من الضروري أن نتعامل مع عناصر العملية التعليمية السابقة برؤية جديدة تحقق مفهوم المدرسة العصرية النموذجية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال المعلم العصري المواكب لكل جديد في العلم والتكنولوجيا، والمناهج المتطورة المحققة للفكر والإبداع والبعيدة عن الحفظ والتلقين، وكذلك استخدام أحدث طرق التدريس لتحقيق التنوع لدى الطالب، كما أنه لابد من تغير نظام التعليم التقليدي وتتجه إلى نظام التعليم الإلكتروني الذي يحقق مبدأ التزامن العصري والمواكبة للتغيرات الحديثة، وبذلك تتحقق المواكبة لعصر العولمة . الدكتور ياسر إبراهيم علي المصدر : مكتب التربية العربي لدول الخليج
| |
|